
ألمانيا تراجع ملفات الحماية لبعض السوريين وتستبعد “زيارات استطلاعية” إلى سوريا
أصدر وزير الداخلية الألماني، ألكسندر دوبريندت، توجيهات رسمية للمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF) بمراجعة دقيقة لملفات الحماية الممنوحة لعدد من السوريين المقيمين في ألمانيا، مع التركيز على الحالات التي تتضمن ارتكاب جرائم جنائية جسيمة أو تلك المصنّفة ضمن فئة “الخطرين أمنياً”.
وأكد دوبريندت، في تصريحات نقلتها صحيفة Die Zeit، أن ألمانيا ستطبق القانون بحزم في هذه الملفات، مشيراً إلى أن سحب أو إلغاء الحماية يبقى خياراً قانونياً مشروعاً في حال ثبوت انتفاء شروط اللجوء، أو وجود مخالفات خطيرة تتعارض مع مبادئ الحماية الإنسانية.
وتأتي هذه التعليمات في سياق توجّه متشدد تنتهجه الحكومة الألمانية الجديدة حيال قضايا الهجرة واللجوء، يتجلى في تشديد الرقابة على اللاجئين السوريين وتقييد إمكانية استفادتهم من مزايا الإقامة طويلة الأمد، خصوصاً في ظل تصاعد الأصوات السياسية المطالبة بترحيل المجرمين إلى بلدانهم الأصلية، وعلى رأسها سوريا.
لا “زيارات استطلاعية” إلى سوريا دون عواقب
وفي تطور موازٍ، أعلنت وزارة الداخلية الألمانية تخلي الحكومة عن مقترح سابق كان يتيح للسوريين القيام بـ”زيارات استطلاعية” قصيرة إلى وطنهم الأم من دون أن يؤثر ذلك على وضعهم القانوني كلاجئين. وأوضح متحدث باسم الوزارة أن المقترح، الذي كانت قد طرحته وزيرة الداخلية السابقة نانسي فيزر، قد خضع لمراجعة مستفيضة، وأسفرت النتائج عن رفضه بشكل نهائي.
وأكدت الوزارة أن أي رحلة طوعية إلى سوريا ستُعد دليلاً على زوال الحاجة للحماية، وستُواجه بتبعات قانونية قد تصل إلى سحب الإقامة أو إلغاء الحماية، باستثناء بعض الحالات الإنسانية المحددة، كزيارة أفراد من الأسرة المقربين في حالة مرض شديد.
تشريعات جديدة وتوجه نحو تقليص أعداد اللاجئين
يتناغم هذا المسار مع التحولات السياسية الداخلية التي تشهدها ألمانيا، حيث أقر البرلمان (البوندستاغ) مؤخراً قانوناً يعلّق لمّ شمل أسر اللاجئين الحاصلين على حماية ثانوية لمدة عامين، في خطوة وصفها مراقبون بأنها تمهيد لمزيد من القيود في ملف اللجوء.
وقد قدّم مشروع القانون وزير الداخلية دوبريندت نفسه، وحظي بدعم الأغلبية البرلمانية، إذ صوّت لصالحه 444 نائباً مقابل 135 عارضوه، ما يعكس توافقاً سياسياً واسعاً على تبنّي سياسات أكثر تشدداً تجاه اللاجئين.
سحب الإقامة من العشرات فقط رغم آلاف المراجعات
وفي الأرقام، كشف المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين أن السلطات الألمانية أصدرت، منذ بداية العام 2025، أكثر من 10 آلاف قرار متعلق بمراجعة ملفات الحماية للاجئين سوريين، لكن تم سحب الحماية فعلياً في 97 حالة فقط. ويُظهر هذا التفاوت بين عدد المراجعات وعدد قرارات السحب أن السلطات تتعامل بحذر، وتسعى إلى تحقيق التوازن بين الإجراءات القانونية الصارمة والالتزامات الإنسانية.
وبحسب البيانات الرسمية، يقطن في ألمانيا حتى نهاية عام 2024 نحو 975 ألف سوري، بينما حصل أكثر من 83 ألفاً منهم على الجنسية الألمانية خلال العام نفسه. أما من عادوا طوعاً إلى سوريا بدعم حكومي، فلا يزال عددهم منخفضاً نسبياً، واقتصر على بضع مئات فقط منذ بداية هذا العام.
في هذا السياق، تشير تقارير إعلامية إلى أن برلين تسعى إلى فتح قنوات تواصل مع الحكومة السورية بهدف التوصل إلى اتفاقيات لإعادة اللاجئين المدانين جنائياً. وإن تحققت هذه الخطوة، فستكون تحولاً جذرياً في السياسة الألمانية تجاه النظام السوري، الذي لا تزال قطاعات واسعة من النخبة السياسية الألمانية تعتبره مسؤولاً عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.


