
مسيحيو السويداء .. صمود وتهجير قسري
في خضم الفوضى والدماء التي شهدتها محافظة السويداء مؤخراً، برزت قصة أخرى أقل صخباً لكنها لا تقل ألماً، قصة مسيحيي المحافظة الذين وجدوا أنفسهم فجأة في قلب العاصفة.
فمع تصاعد عنف ميليشيات “الهجري” التي اجتاحت المنطقة، انتشرت أخبار مقلقة كالنار في الهشيم عن تعرض العائلات المسيحية للتهجير القسري.
ما الذي حدث بالفعل؟
الروايات متضاربة، وهذا بحد ذاته جزء من المأساة. فمن جهة، تحدثت تقارير إخبارية عن عمليات تهجير منظمة طالت المسيحيين على يد “جماعات الهجري الخارجة عن القانون”، لدرجة أن الحكومة السورية تدخلت لنقل بعض العائلات إلى مناطق أكثر أمناً. هذه الأخبار رسمت صورة قاتمة لمكون أصيل من نسيج السويداء يُقتلع من جذوره.
لكن، من جهة أخرى، خرجت أصوات من قلب المجتمع المسيحي لتروي قصة مختلفة. مطرانية بصرى وحوران وجبل العرب للروم الأرثوذكس، ومعها الكنائس الكاثوليكية، أصدرت بيانات سريعة وحاسمة نفت فيها “بشدة” ما وصفته بـ “شائعات التهجير”. رسالتهم كانت واضحة: “نحن هنا، باقون في أرضنا وبيوتنا”.
حتى أن أحد كهنة مدينة شهبا، الأب طوني بطرس، ظهر في فيديو ليؤكد بصوته وصورته أن “لا أحد من المسيحيين هُجّر”، مضيفاً بكلمات مؤثرة أنهم والدروز “عائلة واحدة” في وجه المحنة وهذا ماعلق عليه البعض بأنه درء للفتنة بتجميل الحقيقة.

أين الحقيقة؟
الحقيقة، كما هي العادة في أوقات الحروب، تقع في منطقة رمادية معقدة. المؤكد أن ميليشيات الهجري ارتكبت فظائع وانتهاكات واسعة، كان تركيزها الأساسي موجهاً ضد عشائر البدو في المحافظة. لكن العنف عندما ينفجر لا يميز كثيراً بين أهدافه. لقد سادت حالة من الفوضى العارمة، شملت حرق منازل وهجمات على قرى بأكملها، مما دفع الكثير من السكان، من كل الطوائف، إلى الفرار بحياتهم.
ضمن هذا السياق، غادرت عائلات مسيحية بالفعل مناطق التوتر. لكن يبدو أن خروجها لم يكن “تهجيراً” بالمعنى الحرفي بقدر ما كان “نزوحاً” و”إجلاءً” بحثاً عن الأمان.
فقد خرجوا ضمن قوافل إنسانية نظمتها الأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري، وهي نفس القوافل التي أجلت مئات العائلات البدوية.
اللافت أن رجال دين مسيحيين أشرفوا بأنفسهم على عملية الإجلاء هذه، مما يشير إلى أنها كانت خطوة منظمة لحماية المدنيين، وليست عملية تطهير عرقي ممنهجة ضد المسيحيين.
لم تكن ميليشيات الهجري تستهدف المسيحيين بشكل مباشر كما استهدفت البدو، لكن العنف الأعمى الذي أطلقته خلق حالة من الرعب والفوضى دفعت الجميع، بمن فيهم المسيحيون، للبحث عن ملاذ آمن. ورغم مغادرة بعض العائلات، فإن الرسالة الأقوى التي خرجت من كنائس السويداء ورجال دينها هي رسالة صمود وتشبث بالأرض، ورفض قاطع للسماح لهذه الأزمة بأن تمزق النسيج الاجتماعي التاريخي الذي يربطهم بجيرانهم الدروز.
؟
؟
مرهف مينو – مصدر


