سوريا تتحرر… لكن جرح المعتقلين “القدامى” لم يلتئم : شهادات مروعة ودعوات للعدالة والتمكين


بعد سبعة أشهر على سقوط النظام الاستبدادي في سوريا وتحرير العاصمة دمشق في 8 ديسمبر 2024، أعلن أوائل المشاركين في الثورة السورية عن تأسيس كيان جديد باسم “رابطة الثوار القدامى في سورية” بتاريخ 18 يوليو 2025. جاء هذا الإعلان في ظل “مرحلة انتقالية دقيقة” تمر بها البلاد، ويهدف إلى حماية جوهر الثورة ومواجهة ما وصفوه بـ”التقصير والانحراف” عن أهدافها.


“التحرر بلا حرية”: صدمة الواقع الجديد للمعتقلين

بصرخة “يا أهل الحارة، بشار سقط، سوريا تحررت”، استقبلت دمشق صباحًا جديدًا لم يكن متصورًا. انكسرت القيود وانهارت جدران السجون، وخرج آلاف المعتقلين الذين أنهكهم الجوع والتعذيب. أجسادهم بالكاد تحتمل الوقوف، لكن أرواحهم لم تنكسر، ليعودوا إلى سوريا أخرى بلا سجان أو جدران تئن تحت صور الدكتاتور.

ومع ذلك، ليست كل الأبواب المفتوحة خلاصًا. فكما يصف إسماعيل الغطاوي، الذي قضى سنوات في سجن صيدنايا بعد انشقاقه، “رجليي ما عاد حملوني حتى أطلع من باب السجن، ما صدقت إنو هاد حقيقة”. فرغم خروجه من الزنزانة، لم يخرج إسماعيل فعليًا من تجربة الاعتقال. بات غريبًا عن كل شيء، حتى عن ابنه وزوجته. يعيش في فراغ مؤلم، بلا أحلام أو خطط، ويصف حالته: “أنا راجع من الموت بس ما بعرف لوين رايح، ما بدي شي بس سقف لعيلتي الصغيرة، بعد ما كان سقفي صيدنايا”.

الحال لا يختلف كثيرًا عن سنان آل رشي، الذي أمضى 13 عامًا في سجون النظام السوري. يروي سنان أن ملامح البيئة الاجتماعية تغيرت عليه بشكل كبير لدرجة جعلته يشعر بأنه في مكان مختلف. ويعبر عن خيبة أمله من بعض المشاهد بعد التحرير، مثل طفل يبيع علم الثورة في سوق الحميدية دون أن يدرك رمزيته. ورغم محاولاته تجاوز آثار التجربة، تعاوده الكوابيس وذكريات رفاقه الذين فُقدوا أو قضوا تحت التعذيب.


مطالبات بالعدالة الانتقالية ودعم الناجين

يؤكد بيان “رابطة الثوار القدامى” على الدفاع عن مبادئ الثورة ودعم الانتقال السياسي العادل، ورفض دمج رموز الفساد والاستبداد، والمطالبة بـعدالة انتقالية شاملة. كما يشدد البيان على وحدة سوريا ورفض أي مصالحة مع الميليشيات المتورطة بدماء السوريين.

وفقًا لتقرير منظمة العفو الدولية (يونيو 2025)، فإن الناجين من سجون مثل صيدنايا يواجهون آثارًا جسدية ونفسية مدمرة وسط غياب شبه تام للدعم. يعاني كثيرون من أمراض مزمنة واضطرابات نفسية حادة مثل الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، نتيجة لسنوات من التعذيب والعزلة الممنهجة.

روز النميري، الناشطة الحقوقية، تؤكد أن ملف المعتقلين والمختفين قسرًا “لا يزال بعيدًا عن أي إرادة سياسية جدية”، رغم وجود أكثر من 112 ألف شخص في عداد المختفين قسرًا، مقابل 24 ألف حالة إفراج موثقة فقط. وتشدد النميري على أن العدالة الانتقالية هي الإطار الوحيد للتعامل مع هذه المأساة، وأن أي مشروع لبناء سوريا الجديدة لا يمكن أن يتجاوز المساءلة والمحاسبة.

الهيئة الوطنية للمفقودين وتحديات الدعم الرسمي

في 17 مايو الماضي، أُعلن عن تأسيس “الهيئة الوطنية للمفقودين” بموجب مرسوم رئاسي، برئاسة الدكتور محمد رضا جلخي. تهدف الهيئة إلى كشف مصير المفقودين والمغيبين قسرًا، وتعمل وفق مبادئ الشفافية والمساءلة والمشاركة الفاعلة لعائلات الضحايا. أطلقت الهيئة أولى جلساتها التشاورية في دمشق بتاريخ 5 يوليو الحالي، مؤكدة التزامها بإشراك أهالي الضحايا وتقديم الدعم النفسي والقانوني لهم.

من جانبها، تنتقد المنظمات الحقوقية، مثل الشبكة السورية لحقوق الإنسان، غياب الدعم النفسي المتخصص والبرامج الممنهجة لرعاية المعتقلين السابقين. ويوضح مدير الشبكة، فضل عبد الغني، أن البنية التحتية للدعم شبه منعدمة، وأن الكوادر المتخصصة قليلة. ويؤكد على أهمية تمكين المعتقلين من تنظيم أنفسهم ضمن تجمعات جغرافية لتعزيز التواصل وفعالية المطالبات الحقوقية.

وعلى الرغم من مركزية ملف المفقودين في النقاشات المتعلقة بالعدالة والمصالحة، لا تزال الاستجابة الرسمية “خجولة وغير واضحة المعالم”. وقد أشارت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل إلى أن الملف “معقد ومشترك بين عدة أطراف”، وأن الوزارة “غير قادرة على تقديم تصريح في الوقت الحالي بسبب ضغط الملفات الكبرى”. يثير هذا الغياب لسياسة حكومية واضحة تساؤلات حول مدى جدية الجهات الرسمية في إعطاء هذا الملف الأولوية التي يستحقها.

 

؟

عن تلفزيون سوريا 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى