سكريبت في حلب : عندما تتحول مؤتمرات المؤثرين إلى ساحة للثورة … دانا السباعي

 

تتجه أنظار الجماهير من شتى أنحاء الوطن العربي اليوم إلى حلب عبر منصات المؤثرين والمشاهير من صناع المحتوى العربي حلب المدينة التي دفعت ثمناً باهظاً في سبيل الحرية والكرامة حيث ينعقد مؤتمر سكريبت الذي يجمع مئات المؤثرين وصنّاع المحتوى من سوريا ومن مختلف أنحاء الوطن العربي في خطوة لإعادة بناء النسيج الاجتماعي السوري وإعادة العلاقات مع المحتوى العربي بعد عزلة دامت لسنوات طويلة بسبب الحرب الشرسة التي شنها النظام البائد وحلفائه على السوريين لقمع ثورتهم وتكميم أفواههم.

سكريبت الذي نظمته وزارة الإعلام السورية لم يكن مجرد حدث إعلامي عابر بل كان لحظة رمزية أعادت التأكيد أن الثورة قضية لا تموت وأن صوتها الحر أقوى من محاولات طمسها وأنها انتصرت ومنحت لها المنصات لتحكى قصتها كاملة على لسان أبنائها وبناتها الأبرار وهو أيضاً محاولة جادة لجعل سوريا منبراً للإعلام الحر والتأثير الرقمي عبر استقطاب الشباب من مختلف الفئات العمرية والثقافية.

أن يقام سكريبت في حلب الشهباء رمز التاريخ الطويل والعراقة كأقدم المدن المأهولة في العالم وأن يشارك فيه مؤثرون وإعلاميون من أنحاء الوطن العربي، هو بحد ذاته رسالة بأن الثورة السورية حية لاتموت وإرادة الشعوب لا تقهر رغم محاولات النظام البائد لإسكاتها وتشويه صورة أبطالها لسنوات طويلة وهو أيضاً رسالة بأن حلب كانت وستبقى نقطة التقاء الشرق والغرب ومدينة حيوية تضج بالحياة والحرية.

من الطبيعي جداً أن يشعر بعض الإعلاميين وشباب الثورة بالخذلان أو التهميش ولذلك أسباب عديدة لسنا بصدد مناقشتها اليوم ولو كان هذا العتب مفهوم ومشروع بين الأخوة بعد سنوات من التضحية والنضال إلا أنه لا يجب أن يتحول إلى دعوات لمقاطعة المؤتمر ودعوات لوزير الإعلام بالاستقالة في وقت تحتاج فيه سوريا الجديدة إلى كل الوسائل الممكنة لتحقيق استقرارها و إعادة إعمارها وتحسين الظروف المعيشية فيها وهذا يعني تسليط الضوء بشكل مكثف على تحديات هذه المرحلة عبر الإعلام الرقمي الذي يلعب دوراً محورياً في حياتنا اليومية ويؤثر عليها

صحيح أن بعض المشاركين تجاهلوا الثورة سابقاً وغضوا أبصارهم عن آلاف المجازر والشهداء والتضحيات وربما اصطف كثير منهم مع النظام البائد في وقت ما لكننا اليوم أمام فرصة جديدة وعظيمة لانفتاح سوريا على الجميع وخلق حالة وطنية من المحتوى الرقمي يصل إلى جماهير واسعة ومؤثرة في سوريا والعالم العربي وهو تحول يستحق التوقف عنده. فالثورة اليوم بعد انتصارها هي ملك الشعب السوري كله ولا يمكن حصرها في دائرة ضيقة من الثوار والإعلاميين فقط بل يتوجب علينا اليوم أن نكثف جهودنا جميعاً والعمل معاً على خطاب وطني جامع يتعلم منه هؤلاء المؤثرون سردية الثورة العظيمة على لسان مؤثريها الحقيقين من صحفيين وناشطين وإعلاميين ومصورين.

لا يمكننا إنكار أن من بين المشاركين مؤثرين يعتبر محتواهم سطحياً أو غير مفيد لكن تجاهلهم ليس حلاً فالجيل الجديد يتابعهم ويتأثر بهم أكثر مما يقرأ الكتب أو يلجأ إلى الوسائل التعليمية التقليدية. لهذا من الذكاء تحويل هذه المساحة على السوشال ميديا إلى أداة لدعم القضايا الكبرى، بدلاً من تركها فارغة أو محتلة بالدعاية الفارغة

استخدم النظام البائد الإعلام والمؤثرين ومنصاتهم لعقود في خدمة دعايته السياسية ومن أجل التغطية على جرائمه وتلميع صورته أمام المجتمع العربي والدولي واليوم حان الوقت لكي يستثمر الثوار الأدوات ذاتها لكن بصدق وحرية وكرامة وانتصار وتحرير لم يشهد مثله التاريخ الحديث. استضافة سوريا لمؤتمر مثل سكريبت تأكيد أن الكلمة الحرة تستطيع أن تفرض حضورها حتى وسط ضجيج التافهين.
سكريبت لم يكن خالياً من الأخطاء ولا من الجدل وهذا حال كل المعارض والمؤتمرات التي عقدت في سوريا منذ التحرير وحتى اليوم و لكنه بالتأكيد خطوة مهمة في تعزيز عودة سوريا إلى مكانها الطبيعي في الوطن العربي.
قد نختلف على تفاصيله أو على بعض المشاركين فيه لكن قيمته تكمن في أنه فتح نافذة جديدة للثورة السورية والثوار لأول مرة منذ انطلاقتها عام ٢٠١١.
في عصر السوشال ميديا و المحتوى الرقمي من واجبنا استغلال كل مساحة متاحة حتى تلك التي يملؤها السطحيون والتافهون أصحاب المنصات التي تعنى بالمشاهدات والإعلانات من أجل تغييرها والتأثير فيها بشكل إيجابي ومن أجل تحقيق التواصل الحقيقي بين جميع أفراد المجتمع من مختلف أعمارهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى