هيكلة الدبلوماسية السورية : تغيير وجوه أم تغيير نهج؟

في خطوة يقرأها المراقبون كأولى بوادر إعادة هيكلة واسعة، أصدر وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني قرارًا باستدعاء عدد من دبلوماسيي “النظام المخلوع” إلى دمشق.
وبينما يرى البعض في القرار بداية لتأسيس دبلوماسية سورية جديدة، يحذر آخرون من أن التغيير قد يكون سطحيًا في ظل استمرار وجود مئات من موظفي العهد السابق وغياب رؤية واضحة لآليات التوظيف الجديدة.
“إعادة تأسيس” أم “خطوة شكلية”؟
تتباين القراءات حول أبعاد القرار. يضع محللون سياسيون هذه الخطوة في سياق “إعادة تأسيس الدبلوماسية السورية كأداة سيادية مستقلة”، مشيرين إلى أن هذا المسار بدأ منذ نيسان/أبريل الماضي باستدعاء سفراء بارزين مثل بشار الجعفري وأيمن سوسان من موسكو والرياض، ليتبعهم دبلوماسيون آخرون في عواصم رئيسية.
ويوضحون أن تعيين ممثلين جدد يعكسون سياسة الحكومة الجديدة في هذه الدول المحورية هو ضرورة حتمية، خاصة وأن بعض هذه الدول كانت قد رفضت استمرار السفراء السابقين على أراضيها.
على النقيض تمامًا، يرى دبلوماسيون سوريون سابقون أن القرار “خالٍ من دلالات واضحة”.
وينتقد هؤلاء غياب الشفافية في التعيينات الجديدة وعدم إجراء مسابقات توظيف كما جرت العادة. ويحذرون من أن “أكثر من 500 دبلوماسي تابع للنظام السابق لا يزالون يعملون ضد سوريا الجديدة”، معبرين عن استغرابهم من رفض الوزارة إعادة الدبلوماسيين المنشقين بينما تستمر في دفع رواتب موظفي النظام القديم.
بين الاستجابة للمطالب وتأهيل الكوادر
قراءة ثالثة يقدمها محللون، ترى في الخطوة استجابة لمطالب الجاليات السورية التي تشتكي من تدهور الخدمات في سفارات مثل ألمانيا والسعودية.
ويعتقد أصحاب هذا الرأي أن عملية الهيكلة تأخرت ريثما تمكنت الحكومة من “تدريب وتأهيل دبلوماسيين جدد في المعهد الدبلوماسي التابع للوزارة ليحلوا مكان دبلوماسيي النظام المخلوع”.
“الدبلوماسية المريضة”.. هل يكفي تغيير الأشخاص؟
بعيدًا عن التفاؤل والتشاؤم، يضع دبلوماسيون سابقون يدهم على جوهر المشكلة. فهم يرون أن الدبلوماسية السورية عانت لعقود من “أمراض بنيوية” كغياب المهنية، وتغليب الولاءات على الكفاءة، وخضوع القرار الخارجي للأجهزة الأمنية.
ويؤكدون أن “المطلوب اليوم هو هيكلة عميقة وشجاعة تعيد الثقة بجهاز الخارجية، وتجعله مرآة للشعب السوري ومصالحه”. ويحذرون من أن مجرد تبديل الأشخاص دون إصلاح البنية الأساسية لن يكون كافيًا. فالمسألة لا تتعلق بالأسماء، بل بإعادة ضخ كوادر مهنية تتمتع بالخبرة والكفاءة، وتحرير القرار الدبلوماسي من هيمنة الماضي.
في المحصلة، وبينما تمثل قرارات وزارة الخارجية خطوة أولى على طريق طويل، يبقى السؤال الأهم: هل ستكون هذه الهيكلة مجرد عملية تجميلية تبدل الوجوه وتحافظ على النهج، أم أنها ستكون جراحة عميقة تعالج “أمراض الدبلوماسية السورية” المزمنة وتؤسس لعهد جديد من السياسة الخارجية القائمة على الكفاءة والمصلحة الوطنية؟ الأيام والقرارات القادمة كفيلة بالإجابة.
.
.
مصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى