
عندما يتحول الحب إلى قيود : تأثير تدخل الأهل في الحياة الزوجية
غالبًا ما يُنظر إلى الزواج على أنه رحلة مشتركة، يبني فيها الشريكان عالمهما الخاص. ولكن، قد تتعثر هذه الرحلة عندما تتداخل خيوط خارجية، تحديدًا تدخل الأهل. فما يبدأ بنوايا حسنة، مثل تقديم النصيحة أو الدعم، قد يتحول إلى مصدر رئيسي للتوتر والصراع، ويهدد استقرار العلاقة بأكملها.
قصص من واقع الحياة
يحكي أكرم قصة زواجه الفاشل من ابنة عمه، الذي لم يتم بسبب خلافات عائلية قديمة بين والدته وزوجة عمه. يقول: “حاولت إقناعهما بكل الطرق، لكنهما لم يتراجعا.
في النهاية، تزوجت ابنة عمي من رجل آخر، وأنا تزوجت من امرأة لم أستطع أن أجد فيها الروح التي كنت أبحث عنها. اليوم، وبعد سنوات، ما زلت أعيش حياة بلا شغف، ولم أنسها أبدًا.”
يصف فاروق تجربته مع والدته بأنها كانت “الهواء الذي تتنفسه”. كانت سعيدة بزواجه، ولكن سعادتها سرعان ما تحولت إلى تدخل في أدق التفاصيل.
يقول: “عندما حاولنا أنا وزوجتي التعبير عن وجهة نظرنا بلطف، كانت تشتعل غضبًا. في النهاية، لم أجد حلًا سوى الهجرة لأبعد الحدود لكي أتمكن من بناء حياتي الزوجية بسلام.”
تروي سلوى كيف أثر تدخل والد زوجها على علاقتها بزوجها. “كنا نعيش في بيت واحد بحكم الظروف، لكن والده كان يفرض علينا قيودًا لا تُطاق.
كان يمنعني من زيارة أهلي إلا بمواعيد محددة، وفي النهاية طردنا من المنزل وألقى بأشيائنا في الشارع. اشترط على زوجي أن يتزوج امرأة أخرى ليعود للمنزل، مما دفعنا لاستئجار منزل بعيدًا عن أهله.”
عانت نوال من معاملة والدة زوجها التي كانت تعتبرها خادمة. “كانت تملي عليّ كل شيء: طريقة تنظيف المنزل، ولباسي، وحتى تفاصيل حياتي الخاصة مع زوجي.
كلما حاولت التمرد، كانت تحرّض زوجي عليّ حتى يضربني.” وتضيف: “تحملت لسنوات، لكن صبري لم يجدِ نفعًا. اليوم أنا مطلقة، محرومة من أولادي بسبب مزاجية والدة زوجي وتدخلها.”
لماذا يتدخل الأهل؟
يختلف الخبراء في تحليل أسباب هذا التدخل، ولكنهم يتفقون على أن له عدة أبعاد:
صراع الأجيال: يشير الكاتب والصحفي سامر الخضر سليمان إلى أن لكل جيل قيمه وتجاربه الخاصة. يرى الآباء أن قيمهم هي الأصح والأفضل، بينما يبحث الأبناء عن طريقة حياة تتناسب مع عصرهم. هذا التباين يؤدي إلى تدخل الأهل بدافع “الحرص” أو “الخوف” من ضياع القيم، دون إدراك أن ما كان صالحًا لجيلهم قد لا يكون مناسبًا لواقع أبنائهم.
الأسباب النفسية والاجتماعية: يوضح الباحث الاجتماعي سامر بلشة أن التدخل قد ينبع من الحب، أو من شعور الأهل بالملل وفقدان الدور بعد زواج أبنائهم. كما أن ضعف شخصية أحد الزوجين أو قلة خبرته قد يمنح الأهل سلطة تتجاوز النصح لتتحول إلى سيطرة.
غيرة وفقدان السيطرة: ترى الأخصائية التربوية سعاد كفري أن الأهل قد يتدخلون بدافع الخوف المبالغ فيه، أو لأنهم اعتادوا على السيطرة واتخاذ القرارات عن أبنائهم. وقد يكون السبب هو الغيرة من الشريك الجديد أو الشعور بفقدان الدور.
الدين والتدخل في الحياة الزوجية
يوضح الشيخ أحمد علوان أنه لا يوجد أي نص ديني في القرآن أو السنة يبيح للآباء التدخل في حياة أبنائهم الزوجية. بل على العكس، لا يجوز التدخل على الإطلاق، خاصة عندما يأمر الأهل أبناءهم بطلاق زوجاتهم أو الزواج بأخرى.
فبر الوالدين لا يعني الطاعة العمياء، فالأبناء بالغون راشدون وللآباء دور يقتصر على النصيحة بالمعروف فقط.

بشكل عام، بناء حياة زوجية مستقلة ومستقرة يتطلب من الزوجين وضع حدود واضحة ومحترمة للعلاقة مع الأهل.
فالدعم، والدعاء، واحترام الخصوصية هي أجمل ما يمكن أن يقدمه الأهل لأبنائهم بعد الزواج.
.
.
هدى بلال – مصدر


