مناف طلاس : ورقة محروقة في لعبة فرنسية فاشلة؟ … مرهف مينو

في توقيت يثير الريبة أكثر مما يطرح الحلول، أطل مناف طلاس من باريس، في محاضرة بدت وكأنها محاولة يائسة لإعادة تدوير شخصية من الماضي، في مشهد سوري جديد يرفض العودة إلى الوراء.
وبينما انشغل البعض بتحليل رسائل طلاس “الهادئة” للسلطة الجديدة في دمشق، غفلوا عن السؤال الأهم: من المستفيد من هذا الظهور، ولماذا الآن، ولماذا من باريس تحديداً؟
تراوحت ردود الفعل على هذه الإطلالة بين اعتبارها “إشارات دولية” موجهة لدمشق، وبين حسبانها مجرد حركة من طلاس نفسه للفت الأنظار.
ففي محاضرته، حرص على توجيه انتقادات محسوبة لأداء السلطة التي وصفها بـ”ذات اللون الواحد”، لكنه ترك الباب موارباً معها حين أشار لاستعداده للتعاون.
وما رشح عن جو المحاضرة يؤكد أنه لا يريد مواجهة مباشرة، بل يحاول تقديم نفسه كشخصية قادرة على “إصلاح” الوضع العسكري، مستنداً إلى زعمه بوجود 10 آلاف ضابط منشق تحت إمرته، وجاهزيته لبناء “جيش وطني علماني”.
ويرى محللون، مثل الباحث فارس إيغو، أن طلاس يطمح لدور على رأس “مجلس عسكري”، وأنه قد يجد قبولاً لدى “البرجوازية السنية” وبعض الأقليات القلقة.
فيما يذهب آخرون، مثل المحلل أحمد مظهر سعدو، إلى أن ظهوره قد يكون ورقة ضغط غربية على دمشق بعد أخطائها الأخيرة والذي اعتبره البعض طبيعيا في سياق مايجري من تحالفات ضد حكومة دمشق.
لكن كل هذه التحليلات، التي تحاول قراءة ما بين سطور طلاس، تتجاهل حقيقة أساسية : لا يمكن قراءة هذه المحاضرة بمعزل عن السياق السياسي الفرنسي.
فمنذ تولي الرئيس أحمد الشرع السلطة ، تستقبل الرئيس الشرع وتوقع عقوداً اقتصادية، ومن جهة أخرى، تستمر في دعمها العسكري والسياسي لقوات “قسد” في الشمال السوري، في خطوة يراها الكثيرون تقويضاً متعمداً لوحدة البلاد.
هذا الإصرار على اللعب على التناقضات، ومحاولة فرض وصاية عبر ربط الانفتاح بشروط سياسية، يكشف عن أجندة فرنسية تسعى لإبقاء سوريا في حالة عدم استقرار، على أمل الحفاظ على نفوذ في منطقة غنية بالنفط، بدلاً من دعم استقرارها الكامل.
ففرنسا، التي فشلت رهاناتها المتتالية في سوريا، تجد نفسها اليوم على هامش التأثير. وبعد أن استثمرت طويلاً في دعم القوات الكردية في الشمال السوري بهدف زعزعة استقرار البلاد، ها هي تبحث عن أوراق جديدة، أو بالأحرى، تعيد تلميع أوراقها القديمة المحروقة.
من المفارقات أن فرنسا، التي تدعي حرصها على مستقبل سوريا، تسمح لجمعية لبنانية غامضة بتنظيم حدث لشخصية مثل مناف طلاس.
فالحكومة الفرنسية، بأجهزتها الاستخباراتية، تعرف جيداً التاريخ الدموي لعائلة طلاس، ودور والده مصطفى طلاس في ترسيخ أركان نظام القمع لعقود، ودور مناف نفسه كقائد في الحرس الجمهوري الذي ارتكب فظائع في بداية الثورة. فهل هذا الجهل بالتاريخ، أم هو تجاهل متعمد له؟
إن تقديم طلاس اليوم كشخصية “معتدلة” قادرة على بناء “جيش علماني” هو ضرب من الخيال السياسي.
فطروحاته عن “مجلس عسكري” تبدو كصدى باهت لمشاريع فشلت في الماضي، وتفتقر لأهم عنصر للنجاح : المصداقية الشعبية. فطلاس، الذي يفتقر لأي قاعدة حقيقية في الداخل السوري، ويُنظر إليه بكراهية من قبل قطاع واسع من السوريين الذين عانوا من نظام كان هو جزءاً منه، لا يمكن أن يكون المنقذ المنتظر.
قد يمتلك طلاس كاريزما شخصية، وقد يجد بعض القبول لدى فلول البرجوازية السنية القديمة أو بعض الأقليات القلقة، لكن هذا لا يصنع قائداً وطنياً.
إن محاولة تقديمه كبديل محتمل أو كورقة ضغط على السلطة الجديدة في دمشق، لا تخدم إلا الأجندة الفرنسية الساعية لإبقاء سوريا في حالة من عدم الاستقرار، على أمل الحصول على دور في أي تسوية قادمة.
إن الشعب السوري، الذي قدم تضحيات جساماً لطي صفحة الاستبداد، لن يقبل بعودة وجوه الماضي تحت أقنعة جديدة، وهناك تخوف حقيقي من أي محاولات لعودة “الفلول”.
ومحاولة باريس اللعب بورقة طلاس ليست سوى دليل آخر على فشلها في فهم حقيقة ما يجري في سوريا، وإصرارها على سياسات عقيمة لا تنتج إلا المزيد من الفوضى، وتؤكد أنها لم تعد لاعباً مؤثراً، بل مجرد متفرج يحاول إثارة الضجيج على الهامش.
.
.
.
.
.
كاتب سوري باريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى