الكرامة السورية : بين البُعد الشخصي والطائفي … حمزة رستناوي

هناك مثقفين سوريين، خاصة من خلفية الموحدين الدروز، تستند خطاباتهم على مركزية مفهوم الكرامة، والمقصود بالكرامة هنا كرامة الطائفة الدرزية والمنتمين لها.

ما أقوله هنا؛ الكرامة مفهوم نسبي يختلف تحديده وتقيمه من شخص إلى آخر، ومن ظرف إلى آخر، ولا يصلح لأن يكون حاملاً لخطاب سياسي ناضج ومفيد.

يمكن ترجمة قيمة الكرامة لمفردات ومطالب سياسية بسقوف واقعية، تحتمل النسبية وقابلة للتفاوض، فالناس لا تنقسم إلى شخص لديه كرامة وشخص فاقد للكرامة (نذل). كل إنسان على وجه الأرض يمتلك حدًا معينًا من الكرامة ضمن الشرط الاجتماعي والسياسي الذي يعيشه، ويمكن السعي بوسائل مختلفة لرفع السقف الإنساني ومساحة الاعتراف الاجتماعي التي يحتاجها الإنسان.

ثمة فرق مهم بين كرامة الإنسان وبين كرامة الطائفة الدينية أو العشيرة التي ينتمي لها الشخص بحكم الولادة، على سبيل المثال. في فضاء الدولة الحديثة – قيد التشكل – من الضروري تعريف الإنسان بذاته كفرد، وليس عبر انتماء طائفي أو قومي، وهذه مسؤولية السلطة الحاكمة أساسًا عبر طريقة تعاملها مع المواطنين، وهو كذلك مسؤولية الفرد نفسه.

باختصار، الحديث عن (الكرامة والخيانة وحفظ الأرض والعرض) ونحوها، لا يعبر عن عقل سياسي بل عن عقل ما قبل سياسي، قد يفتقد للمرونة والحكمة ويسعى لخلق مجتمعات متجانسة، ويعتمد في تحقيق تجانسها على التخوين واستبعاد المختلف.

في النهاية، كرامة المواطن السوري بغض النظر عن انتمائه الطائفي هي من كرامة الوطن والدولة السورية، ومن الصعوبة بمكان أن يستطيع الإنسان الحفاظ على كرامته في دولة غير مستقرة لا يسوسها القانون والعدل.

فمجرد مشاهدة الإنسان لجريمة وعدم استطاعته التعبير بصوت عالٍ عن إدانتها، هو انتقاص من كرامة الشاهد للجريمة، وتعميق لثقافة الخوف، العدو الفطري للكرامة الإنسانية.

لا يمكن لخطابات التطرف والمبالغة في (الكرامة) أن تعيد نازحين إلى قراهم في السويداء أو غيرها، ولكن يمكن للمعادل السياسي الواقعي لقيمة الكرامة أن يساهم في تحقيق حفظ كرامة النازحين وإعادتهم آمنين إلى قراهم.

عمليًا، لا يمكن لأي طائفة دينية سورية أو موزنبيقية تحقيق (كرامتها) بمعزل عن تحقيق بقية السوريين لكرامتهم أيضًا، فالكرامة ليست ملكية حصرية لأي شخص أو طائفة أو شعب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى