أطفال سوريا في “سجن الانتظار” : جيل كامل يدفع ثمن غياب الأب

خلف أسوار السجون المظلمة التي شيّدها نظام الأسد البائد، لم يكن المعتقلون وحدهم من يقضون أحكامًا قاسية. في الخارج، نشأ جيل كامل من الأطفال الذين حُكم عليهم بالغياب القسري لآبائهم، ليقضوا طفولتهم في سجن من نوع آخر: سجن الانتظار والأمل والخيبة. إنها مأساة جيل كامل ما زال يدفع ثمنها حتى اليوم، وتكشف عن أحد أعمق جراح المجتمع السوري.
ندوب نفسية لا تلتئم
غياب الأب، خاصة في سنوات التكوين الأولى، يترك ندوبًا عميقة في نفسية الطفل، وهو ما وثقته العديد من الدراسات والتقارير الحقوقية. يروي أحمد (16 عامًا)، الذي اعتُقل والده وهو في الخامسة من عمره، لصحيفتنا: “كنت دائمًا أتخيل أن يطرق الباب ويدخل. عندما كان يُطلب مني في المدرسة إحضار ولي أمري، كنت أشعر بقهر داخلي لغيابه”. قصة أحمد انتهت بخيبة أمل كبرى عندما وجد اسم والده في قوائم المتوفين بعد سقوط النظام.
ويوضح أخصائيون نفسيون أن هذا الفقدان يؤدي إلى أزمة هوية وشعور دائم بعدم الأمان، مما يؤثر على ثقة الطفل بنفسه. ويترجم هذا الفراغ غالبًا إلى اضطرابات سلوكية، فبعض الأطفال يصبحون عدوانيين للتعبير عن غضبهم المكبوت، بينما يميل آخرون إلى الانطواء والعزلة التامة.
حرمان اقتصادي واجتماعي مضاعف
لم يكن غياب الأب مجرد غياب عاطفي، بل كانت له تداعيات كارثية على حياة الأسرة. في مجتمع يعتمد غالبًا على الرجل كمعيل أساسي، أدى اعتقال آلاف الآباء إلى دفع أسرهم إلى حافة الفقر.
تقول أم لثلاثة أطفال اعتُقل زوجها عام 2015: “فجأة، وجدت نفسي مسؤولة عن كل شيء. اضطر ابني الأكبر لترك المدرسة وهو في عمر 14 عامًا ليعمل ويساعدنا في المصاريف”.
هذه الظاهرة لم تكن فردية، حيث أُجبر عدد لا يحصى من الأطفال على ترك مقاعد الدراسة والتوجه إلى سوق العمل، مما قضى على طفولتهم ومستقبلهم. كما شكل غياب الأب عائقًا قانونيًا كبيرًا، حيث واجهت الأمهات صعوبات هائلة في استخراج وثائق رسمية لأطفالهن، مما قيد حركتهن وفرصهن في الحصول على المساعدات.
الأم السورية : بطولة في وجه المأساة
في خضم هذه المأساة، برزت الأمهات كبطلات حقيقيات. لقد تحملن العبء النفسي لغياب الزوج، والعبء الاقتصادي لإعالة الأسرة، والأهم من ذلك، العبء العاطفي لدعم أطفالهن. لقد كنّ الأب والأم معًا، يزرعن الأمل في قلوب أطفالهن، ويحمينهم من قسوة الواقع.
ومع بدء مرحلة جديدة في سوريا، لا تقتصر العدالة على محاسبة الجناة فحسب، بل تمتد لتشمل ضرورة توفير دعم نفسي واجتماعي ومادي مكثف لهذا الجيل، لمساعدته على تضميد جراحه والمساهمة في بناء مستقبل البلاد.
.
.
مصدر – متابعة 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى