
حين يلعب الرئيس البلياردو : بين زيدان والإعلام وصورة الزعيم الجديد … مرهف مينو
انتشر خلال الأيام الماضية مقطع مصوّر للرئيس السوري أحمد الشرع وهو يلعب البلياردو، بدا فيه مبتسماً ومرتاحاً، كأنه في استراحة قصيرة من أعباء السياسة.
الفيديو الذي لم تتجاوز مدته نصف دقيقة أثار موجة واسعة من التعليقات، تراوحت بين السخرية والإعجاب، وبين التحليل السياسي والتأويل الرمزي، رغم أنه لا يظهر سوى رجلٍ يلعب لعبة شعبية بهدوء.
وبصراحة، أدهشني المقطع ببساطته وعفويته . لم أحمله أكثر مما يحتمل. لم أرَ فيه رسالة سياسية ولا ترويجاً خفياً، بل مجرد رئيسٍ قرر أن يلعب البلياردو. لا شعارات ولا حراسة ولا رموز قوة. مشهد عادي لرجل عادي.
لكن في بلدٍ مثل سوريا، حتى اللعب لا يُترك من دون تفسير.
لقطتان … واستراتيجية واحدة
فيديو البلياردو لم يكن الظهور الأول من نوعه.فخلال الشهور الماضية، انتشرت ثلاثة مقاطع قصيرة للرئيس الشرع: أحدها وهو يلعب كرة السلة، وآخر وهو يركب حصاناً، وثالثه وهو يمسك عصا البلياردو بابتسامة واثقة.
جميعها مصوّرة بذكاء وبأسلوب موحد: كاميرا قريبة، إضاءة محسوبة، ومشهد يظهر الزعيم في لحظة “إنسانية” غير رسمية.
الهدف واضح: إعادة بناء صورة الحاكم عبر “الظهور العادي”، في وقتٍ تزداد فيه قسوة الواقع الاقتصادي، ويعيش السوريون ضيقاً غير مسبوق.
الرسالة غير المعلنة هي أن الرئيس مثلهم، يلعب ويبتسم ويتنفس.
لكن المفارقة أن هذه البساطة المصنوعة تصطدم بواقعٍ يعاني فيه المواطن من انقطاع الكهرباء والخبز والدواء , تحديات لايستطيع الشرع وحده الانتصار عليها.

زيزو … والإعلان المضلل
حين شاهدت الشرع يلعب البلياردو، تذكّرت مقطعاً قديماً لزين الدين زيدان يقوم بضربة مثالية جعلت الكرات تتناثر دفعة واحدة في الجيوب.
انتشر المقطع حول العالم بوصفه مشهداً عفوياً مذهلاً.
لكن الحقيقة أن الفيديو كان إعلاناً تجارياً لشركة النظارات الفرنسية “GrandOptical” عام 2009، واستخدمت فيه مؤثرات بصرية وخداعاً فنياً محسوباً.
الفارق هنا لافت : زيدان كان يؤدي إعلاناً مدفوعاً ومحدداً الهدف — بيع منتج تجاري.
أما الشرع، فلا يبيع نظارات، بل يبيع صورة جديدة لنفسه : رئيس رياضي، واثق، عادي، قريب من الناس.
لكن الصورة السياسية، مهما بدت عفوية، لا تكون بريئة تماماً.
في إعلان زيدان، كان الهدف اقتصادياً بحتاً : إقناع الناس بشراء سلعة.
أما في مشاهد الشرع، فالهدف أعمق وأخطر : إقناع الناس بأن الزعيم لا يزال ممسكاً بالهدوء وسط العاصفة.
إنها محاولة “أنسنة السلطة”، وجعلها قابلة للهضم بعد عقود من الخوف والاحتقان.
لكن من الصعب إقناع فلول الاسد بصورة “الرئيس الإنسان”، حين يتبعون الوهم ، وهم عودة الاسد وعصابته , أبناء الساحل — الذين طالما شكلوا العمود الفقري للنظام — يصرخون ضد الفساد والجوع.
فما فائدة العصا في يد الرئيس حين يتحيلون ان العصا تتحول إلى عبء ؟
الفيديو الذي أدهشني ببساطته لا يستحق هذا السيل من التحليلات الثقيلة، لكنه يكشف مفارقة عميقة بين الواقع والصورة.
فحين يتحول اللعب إلى سياسة، وحين يُدار الرأي العام بلقطة قصيرة على “تيك توك”، تصبح كل حركة محسوبة وكل ابتسامة مدروسة.
زيدان لعب ليبيع نظارة،
أما الشرع فيلعب ليبيع رؤية، أو بالأحرى إحساساً بالطمأنينة والثقة.
في النهاية، الصورة ليست المشكلة…



