“تآمروا ضد العثمانيين”.. تعديلات على المناهج السورية تصف رموز النهضة بـ”الخونة” وتفجر موجة غضب واسعة

متابعة صحف
مع انطلاق العام الدراسي الجديد في سوريا، انفجر جدل ثقافي وتربوي واسع النطاق، بعد أن كشفت تعديلات “محدودة” على المناهج الدراسية عن تغييرات جذرية في سرد أحداث تاريخية محورية، وهو ما اعتبره باحثون ومثقفون “تشويهًا ممنهجًا” للذاكرة الوطنية و”إهانة” لرموز تاريخية راسخة في وعي السوريين.
صدمة في كتاب التاريخ : شهداء 6 أيار “متآمرون”
تكمن الإشكالية الكبرى في فقرة ضمن كتاب التاريخ للصف الثاني الإعدادي (الثامن)، حيث يتم وصف “شهداء السادس من أيار” – الذين أعدمهم الوالي العثماني جمال باشا السفاح عام 1916 ويحتفي بهم السوريون كرواد للنهضة والاستقلال – بأنهم كانوا “متآمرين مع الإنكليز والفرنسيين ضد الدولة العثمانية”.
هذا التوصيف الجديد أثار صدمة واسعة، حيث اعتبره كثيرون تبنيًا مباشرًا لرواية جمال باشا نفسه، متجاهلاً السياق التاريخي الذي دفع هؤلاء المفكرين والوطنيين إلى المطالبة بالاستقلال ومقاومة سياسات القمع والتتريك.
انتقادات لاذعة من مفكرين وباحثين
لم تتأخر ردود الفعل الغاضبة من شخصيات ثقافية وفكرية بارزة. الكاتب والباحث السوري أحمد أبازيد أعرب عن صدمته، مؤكدًا أن المنهاج الجديد لا يقدم نقاشًا تاريخيًا متوازنًا، بل يطرح “بروباغندا تُهين رموز النهضة العربية وتقدم التهمة كحقيقة مطلقة”، دون أي إشارة للرواية العربية أو الظروف التي أدت إلى تلك الإعدامات.
وأضاف أبازيد أن تشويه التاريخ امتد ليشمل “الثورة العربية الكبرى” التي تم تغيير مسماها إلى “التمرد”، معتبرًا ذلك “مسخًا للهوية” ومحاولة خطيرة لمحو جزء أصيل من تاريخ الحركة الوطنية السورية والعربية.
من جهته، علّق المفكر والشيخ معاذ الخطيب بالقول إن “تغيير المناهج لا يلغي الحقائق”، مؤكدًا أن جمال باشا سيبقى رمزًا للاستبداد الدموي في الذاكرة السورية. وحذر من أن “محاولات إعادة إنتاج صورته ضمن سياق سياسي جديد هي تشويه للوعي الوطني يجب التصدي له”، واصفًا ما يُزرع في عقول الطلاب بأنه “تهديد مباشر للهوية السورية”.
وزارة التربية : التعديلات أولية وقيد المراجعة
في المقابل، حاولت وزارة التربية احتواء الموقف، مؤكدة أن التعديلات التي تمت “لا تزال في إطارها الأولي”، وأن أي فقرة مثيرة للجدل سيتم تقييمها ومراجعتها من قبل لجان متخصصة. وأشارت الوزارة إلى أن هدفها هو بناء منهاج “يعكس الحقيقة التاريخية بصورة علمية وموضوعية”، بعيدًا عن التوظيف السياسي للأحداث.
رغم التطمينات الرسمية، لا تزال المخاوف قائمة حول الآلية المعتمدة في صياغة هذه النصوص الحساسة، ومدى إشراك المؤرخين المتخصصين والمستقلين في العملية. ويتجاوز الجدل الحالي مجرد فقرة في كتاب مدرسي، ليطال جوهر القضية: مستقبل الوعي الوطني والهوية الثقافية للأجيال القادمة في سوريا.
فبينما تتعالى الأصوات المطالبة بفرض رقابة علمية صارمة لضمان مناهج تعبر عن إجماع وطني، يبقى السؤال معلقًا حول ما إذا كانت هذه التعديلات تمثل رؤية جديدة للدولة أم مجرد خطوة غير مدروسة تهدد بنسف الذاكرة الجمعية للسوريين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى