
رسالة نارية من أستاذ جامعي للرئيس الشرع تحذر من “الطاعة المطلقة”
"لا نريد استبدال شرعية الحزب بشرعية رئيس متدين"
خاص – مصدر
رصدت “جريدة مصدر” رسالة مفتوحة ذات أهمية بالغة وجهها الدكتور صلاح قيراطة، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، إلى فخامة الرئيس أحمد الشرع، رئيس الجمهورية العربية السورية، تشكل تحدياً فكرياً مباشراً للرمزية التي اعتمدها الرئيس في ظهوره الأخير. الرسالة، التي انتشرت على نطاق واسع، تنتقد بشدة الجمع بين الزي العسكري والمحفل الديني، وتحذر من خطورة تحويل الطاعة إلى مطلقة وغير قابلة للمحاسبة.
الزي العسكري والمنبر الديني : رمزية “القوة فوق المؤسسات”
جاءت رسالة الدكتور قيراطة تعقيباً على ظهور الرئيس الشرع في الجامع الأموي بدمشق، مرتدياً “بدلة النصر” العسكرية، وإمامته لصلاة الفجر، مع خطابه المستلهم من قول الخليفة الراشد أبي بكر الصديق: “أطيعوني ما أطعت الله فيكم”.
في تحليل جريء، يرى قيراطة أن هذه الرمزية تحمل دلالات متعددة، أبرزها: طمأنة جمهور المؤيدين بأن شرعية السلاح لا تزال قائمة، وتحفيز الخوف لدى الخصوم بأن القوة المسلحة لا تزال فوق المؤسسات، وإضفاء صورة استقرار للقائد الذي لا يتغير، مع الإيحاء بأن المرجعية السياسية مرتبطة بالقوة قبل القانون. ويشير الأستاذ الجامعي إلى أن هذا النمط، الذي يدمج بين المنبر والقوة المسلحة، هو نمط تاريخي عرفته المنطقة طويلاً.

الشطر المفقود : جوهر المحاسبة
النقطة الأكثر جوهرية في الرسالة هي انتقاد الرئيس لاقتباسه الشطر الأول فقط من خطبة أبي بكر الصديق، وإغفاله الشطر الثاني الحاسم: “فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم”.
ويؤكد قيراطة أن هذا الشطر المفقود يحمل جوهر الفكرة التي تتجسد فيها قابلية الحاكم للعزل والمساءلة إذا خالف الشرع. وعليه، فإن الاكتفاء بالشطر الأول يحوّل الطاعة إلى “مطلقة، غير محددة، وغير قابلة للقياس والمحاسبة”.
الدولة الحديثة وشرعية القانون
يضع الدكتور قيراطة الرئيس الشرع أمام حقيقة الدولة الحديثة، مؤكداً أن شرعية رئيس الجمهورية، خاصة بعد حرب أهلية، هي شرعية دستورية وليست دينية. ويشدد على أن المرجعية العملية للرئيس هي القانون وليس الشريعة، حتى وإن كانت الشريعة أحد مصادره.
ويحذر قيراطة من أن وضع معيار ديني داخلي لتقييم الحاكم يجعل الطاعة غير قابلة للقياس وغير خاضعة للمحاسبة، مما قد يؤدي إلى تجاوزات دستورية. ويختتم رسالته بتحذير واضح:
“فخامة الرئيس، غالبية السوريون لا يريدون استبدال شرعية الحزب القائد بشرعية رئيس متدين يُطلب طاعته باسم الله، فنحن نريد دولة قانون، يحكمها الدستور، ويُحاسب فيها الحاكم وفق معايير واضحة، ويعيش فيها كل السوريين متساوين بغض النظر عن معتقداتهم… وطاعة الله شأن بينكم وبين ربكم، أما الدولة، فهي ملك لجميع السوريين، ويجب أن تقوم على العدالة والمساواة والقانون.”
جدل “الطاعة المطلقة”: انقسام حاد في التعليقات
أثارت رسالة الدكتور قيراطة ردود فعل واسعة ومتباينة على منصات التواصل الاجتماعي، عكست انقساماً حاداً في الرؤى حول العلاقة بين الشرعية الدستورية والمرجعية الدينية في الدولة السورية الجديدة.
ففي الوقت الذي أشاد فيه البعض بتحليل قيراطة ودعوته لدولة القانون، مؤكدين أن “الطاعة الدينية تختلف تفسيراتها بين المذاهب والفقهاء”، انبرى آخرون للدفاع عن الرمزية الدينية للرئيس الشرع، معتبرين أن “سوريا في ظل الرئيس الشرع عادت إلى هويتها الإسلامية والعربية”، وأن “شريعة الله هي القانون والدستور الأمثل”.
كما واجه قيراطة هجوماً مباشراً من معلقين اتهموه بـ”دعوتك لرفضك لتطبيق شرع الله”، محذرين إياه من أنه “كفى إثماً وستحاسب أمام الله”. في المقابل، أيّد معلق آخر بقوة حجة قيراطة حول الشطر المفقود من خطبة أبي بكر الصديق، مشيراً إلى أن “مغالطة وغير منطقية، قال ما أطعت الله وهذا شرط ملزم يقتضي الشرط الثاني فإن عصيته فلا طاعة… قلبتم قمة العدل إلى نكسة الفساد!”.
…………………………….



