حمص: عودة السكان تضغط على بنية تحتية متهالكة وتفاقم الأزمات المعيشية

المدينة تواجه تحديات الكهرباء والمياه والسكن والعمل بعد موجة العودة الأخيرة

تعيش مدينة حمص، التي تُعدّ إحدى المدن السورية الرئيسية، تحت وطأة أزمة معيشية وخدمية متفاقمة، حيث تسببت عودة أعداد كبيرة من السكان والنازحين إلى المدينة في تحميل بنيتها التحتية المتهالكة ضغوطاً مضاعفة، مما ينذر بتدهور الأوضاع الإنسانية والمعيشية بشكل أوسع  .

وتشير التقارير الواردة من مراسلينا إلى أن التحدي الأكبر يكمن في القطاع الخدمي، الذي لم يشهد تحسناً يذكر في الأحياء التي تعرضت لدمار واسع خلال سنوات النزاع، مثل حي بابا عمرو وحمص القديمة  . ويعاني السكان من انقطاعات مطولة في التيار الكهربائي، والتي قد تمتد لأيام في بعض المناطق، مما يعيق الحياة اليومية ويؤثر بشكل مباشر على توفر المياه، حيث تتوقف محطات الضخ عن العمل . وقد أكدت مصادر محلية أن ما يصل إلى 80% من السكان يعانون من نقص حاد في المياه والكهرباء، مما يفاقم المشكلات الصحية والبيئية .

“لا تزال الأحياء المتضررة في مدينة حمص تعاني من ضعف شديد في البنية التحتية، حيث لم تشهد تحسنًا ملحوظًا في خدمات الكهرباء والطرق وشبكات الصرف الصحي.”

يشير رائد الإبراهيم، من حي البياضة، إلى أن شبكة الكهرباء في الحي تعاني من أعطال متكررة نتيجة تهالك الكابلات المغذية للمنازل، موضحًا أن السكان لا يواجهون التقنين فقط، بل انقطاعات إضافية تمتد أحيانًا لأيام بسبب الأعطال وضعف الاستجابة الطارئة. ويؤكد أن إعادة تأهيل الشبكة باتت ضرورة ملحّة، ويفضّل أن تكون عبر تمديدات أرضية حديثة بدل الاكتفاء بترميم الشبكة القديمة، لما لذلك من جدوى اقتصادية على المدى البعيد.

من جهته، يصف محمود شام، من حي كرم الزيتون، واقع الحي بأنه يفتقر إلى أبسط مقومات العيش، لافتًا إلى ضعف خدمات الكهرباء والمياه والنظافة. ويقول إن مظاهر الفقر واضحة في المنازل المتهالكة، حيث أُغلقت نوافذ كثيرة بقطع بلاستيكية، فيما تنتشر روائح حرق النفايات والبلاستيك داخل المدافئ نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات، ما ينعكس سلبًا على الصحة العامة والبيئة.

على الصعيد الاقتصادي والسكني، تشهد حمص ارتفاعاً جنونياً في أسعار الإيجارات، وهو ما يمثل عبئاً لا يطاق على العائدين وأصحاب الدخل المحدود. وقد وثقت منصات عقارية محلية أسعار إيجارات تتراوح بين 500 دولار أمريكي لنصف عام أو ما يعادل 1.8 مليون ليرة سورية شهرياً في بعض الأحياء، مما يجعل السكن اللائق بعيد المنال عن شريحة واسعة من السكان  . هذا الارتفاع في تكاليف السكن دفع البعض إلى التفكير في ترك أعمالهم، حيث أصبح الإيجار يستهلك الجزء الأكبر من الدخل، إن لم يتجاوزه .

محمد النهار، من حي بابا عمرو، فيوضح أنه عاد مؤخرًا من الشمال السوري، واضطر إلى استئجار منزل بسبب الدمار الذي لحق بمسكنه، مقابل مبلغ مرتفع يصل إلى مليوني ليرة سورية شهريًا. ويشير إلى أنه حاول العثور على سكن أقل تكلفة داخل المدينة دون جدوى، في ظل ارتفاع نفقات الكهرباء والمياه والاتصالات ومتطلبات الشتاء. ويضيف أن دخله لا يغطي هذه الالتزامات، خاصة مع التزامه بإيجار محل تجاري يبلغ 200 دولار، في وقت يشهد فيه السوق ركودًا وضعفًا في حركة المبيعات.

وفيما يتعلق بفرص العمل، فإنها لا تزال محدودة، والأجور المعروضة في القطاعات المتاحة، مثل الخدمات والتوصيل والمهن الحرفية، تُعتبر زهيدة ولا تتناسب مع الارتفاع الهائل في تكاليف المعيشة  . ورغم وجود بعض المؤشرات التي تتحدث عن “انتعاش” في الأسواق وتراجع في أسعار بعض المواد الغذائية ، إلا أن الواقع الخدمي والبنيوي يظل التحدي الأبرز الذي يهدد استقرار العائدين.

خالد الحاج، من حي دير بعلبة، قال أنه كان يعمل مع منظمة إنسانية في منطقة الباب قبل توقف المشروع منذ نحو ستة أشهر. وبعد عودته إلى حمص، لم يتمكن من إيجاد فرصة عمل مناسبة، نظراً لقلة نشاط المنظمات الإنسانية في المدينة وضعف فرص التوظيف الحكومية. ويشير إلى أن شرط العمر شكّل عائقًا أساسيًا أمامه، إذ تُحدد معظم الوظائف أعماراً بين 18 و34 عامًا، بينما تجاوز هو سن الأربعين بعد سنوات طويلة قضاها في النزوح والعمل غير المستقر، ليجد نفسه اليوم خارج حسابات سوق العمل في القطاعين العام والخاص.

ويُجمع المراقبون على أن استمرار تدفق العائدين دون خطة حكومية واضحة وموارد كافية لإعادة تأهيل البنية التحتية المدمرة وتوفير الخدمات الأساسية، سيؤدي حتماً إلى تفاقم الأزمات الحالية، وتحويل حلم العودة إلى كابوس معيشي يهدد بتدمير ما تبقى من نسيج المدينة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى