خدعوك فقالوا: الجانب الأيسر للإبداع والجانب الأيمن للمنطق.. إليك وظائف فصَّي المخ
يعد هذا السؤال من الأسئلة الشائعة التي تدور في علم الأعصاب، حيث يُفترض أن الدماغ الأيسر أكثر إبداعاً وفناً، بينما الدماغ الأيمن أكثر تنظيماً وواقعية.
ولكن العلم الصحيح ينفي وجود مثل هذا المصطلح المزعوم؛ وهو سيطرة الدماغ الأيمن أو الأيسر، بحسب موقع Live Science.
وفي دراسة شاملة، استغرقت عامين ونُشرت عام 2013 بصحيفة “بلوس ون”، قام الباحثون بالبحث في أدمغة أكثر من 1.000 شخص ولم يجدوا أي دليل على وجود اختلافات واضحة بين هيمنة أي من فصَّي الدماغ على الآخر بين الأفراد الذين خضعوا للدراسة.
لكن هناك فرق بين فصَّي الدماغ
ربما لا يسيطر أي من النصفين على الآخر، ولكن في الواقع ينقسم دماغك إلى فصين؛ فص أيسر وآخر أيمن.
يختلف كل من فصَّي الدماغ عن الآخر على الرغم من كونهما متشابهين بشكل كبير. فمعظم العمليات التي تتم في الجانب الأيسر تتم أيضاً في الجانب الأيمن والعكس بالعكس.
ففي كتاب “اضطرابات الجهاز العصبي” بالجزء التمهيدي، للكاتب وطبيب الأعصاب الدكتور ألكسندر ريفيز والدكتور راند سوينسون، ذُكر كلام للدكتور هارولد وولف، أحد أكبر علماء الدماغ في القرن العشرين، يقول فيه إن “كلاً من نصفي الدماغ لديه القدرة على التعبير عن المشاعر المناسبة والشهوات والدوافع، كما لديه القدرة على التعلم واستعمال الذاكرة والمنطق”.
ويضيف سوينسون: “كذلك، لدى النصفين القدرة على مراعاة الحدود اللازمة والتعامل مع الإحباط والفشل والتعافي من آثارها، بالإضافة إلى قدرته على إحداث ردود فعل دفاعية منظمة وفعالة؛ مثل: القمع، والإنكار، والتظاهر، والتبرير، وإلقاء اللوم، والانسحاب، والتخيل، وتجريد الشخصية، وتطبيق الوسواس القهري، وأشكال رد الفعل الجسدي، بما فيها التغذية والتنفس وعملية التمثيل الغذائي… إلخ”.
الفكرة بسيطة، بعيداً عن هذا النص المعقد، فكل ما يخص الدماغ من وظائف تجعلك إنساناً؛ توجد بالفعل على كل من جانبي الدماغ.
تحتاج إلى دليل؟ إذا قمت بإزالة أحد شقَّي دماغ طفل يبلغ من العمر 3 أشهر، وثمة جراحة يجريها الأطباء أحياناً في حالات الصرع الشديد وبعض الاضطرابات الأخرى، فطبقاً لما يقوله أطباء كليفلاند كلينيك يستمر الطفل في النمو دون تغيُّر يُذكر بالذاكرة أو في طبيعة الشخصية. ووفقاً لجريدة Scientific American، فقد قام الجراحون بإجراء هذه العملية المعروفة باستئصال نصف الدماغ مئات المرات خلال القرن الماضي.
إذن.. ما الفرق بين كل شق من شقي الدماغ؟
بشكل عام، فإن الجانب الأيسر من الدماغ يتحكم في الجانب الأيمن من الجسم، ويتحكم الجانب الأيمن للدماغ في الجانب الأيسر من الجسم وفقاً لما كُتب على موقع The Brain from Top to Bottom وطُور بواسطة برونو دوبوك، عالِم الأعصاب بجامعة ماكجيل في مونتريال.
كما يمكن القول إن الأمور أكثر تعقيداً، حيث تتصل الأعصاب الموجودة على يسار كلتا العينين بالجانب الأيسر من الدماغ، وتتصل الأعصاب الموجودة على يمين كلتا العينين بالجانب الأيمن من الدماغ.
وفي القرن التاسع عشر، وجد اثنان من أطباء الأعصاب هما الدكتور بيير بول بروكا والدكتور كارل فيرنيك، أن الأشخاص الذين عانوا معالجة اللغة لديهم بعض التلف في مناطق معينة من الجانب الأيسر للدماغ. ولذا خلص الباحثون إلى أهمية هاتين المنطقتين في معالجة اللغة، معلنين للعالم أن اللغة تكمن في الدماغ الأيسر. ولعل هذه الفكرة هي سبب مفهوم أن الدماغ الأيسر هو أكثر إبداعاً وأن الدماغ الأيمن أكثر تحليلاً.
ما سبب انتشار هذه الشائعة؟
وطبقاً للدكتورة آن ستيلس أستاذ اللغة الإنكليزية بجامعة سانت لويس، فإن السبب الذي ساعد على نشر فكرة الدماغ الأيسر والأيمن في الثقافة الشعبية بعد ذلك، هو رواية روبرت لويس ستيفنسون “الحالة الغريبة للدكتور جيكيل والسيد هايد”.
وقال دوبوك إن المراكز الرئيسية لمعالجة اللغات لدى نحو 5% من الأشخاص اليمينيين (الذين يستعملون اليد اليمنى) توجد على الجانب الأيمن من الدماغ، كما توجد هذه المراكز أيضاً على الجانب الأيمن من الدماغ لدى نحو 30% من الأشخاص اليساريين (الذين يستعملون اليد اليسرى).
بالإضافة إلى ذلك، فإن كلاً من شقي الدماغ يشارك في جانب من جوانب التحدث لدى معظم البشر، أما الأشخاص الذين يعانون التلف في الشق الأيسر للدماغ، فيمكنهم تعلُّم التحدث باستخدام الشق الأيمن.
ولا يزال الباحثون يعملون على فهم جميع الفروق بين كل من شقي الدماغ والأشخاص ذوي أدمغة متباينة. ولكن مفهوم الأشخاص ذوي دماغ أيمن أو دماغ أيسر يعد أسطورة.