هل حقا فشل الحوار في جنيف؟ .. خليل المقداد*
لا شك أن المشهد السوري يبدو في غاية القتامة والتعقيد، فقد تداخلت الأجندات والمصالح نتيجة الإنخراط الدولي والإقليمي الواسع في سورية، وهو ما انعكس على الأحداث التي بدورها ما عادت مفهومة لكثير من المتابعين، حتى الخارطة العسكرية على الأرض أصبحت شبه غامضة نتيجة التحولات شبه اليومية لمواقف العديد من الفصائل المسلحة بشقيها الوطني والإسلامي، ناهيكم عن سيطرة الداعمين الإقليميين وغرف العمليات العسكرية – الأمنية على قرار العديد من هذه الفصائل وخاصة الكبيرة منها.
سياسيا يبدو المشهد في غاية التعقيد، ولا أدل على ذلك من كثرة التصريحات والمؤتمرات والاجتماعات، التي كان آخرها جنيف 3 وما صاحبها من جدل وغموض وتناقض في تصريحات كافة الأطراف، فقد عقد دي ميستورا سلسلة إجتماعات ثنائية مع وفدي الأسد والمعارضة، ليعلن بعد أيام قليلة عن تعليق الحوار حتى يوم 25 من شهر شباط \ فبراير الجاري دون إعطاء تفصيلات عما تمخضت عنه هذه الإجتماعات.
صحيح أن المشهد السوري وكما أسلفت آنفا يبدو في غاية القتامة لكنه لم يكن يوما واضحا كما هو عليه الآن، خاصة بعد إنتهاء اجتماعات فيينا 3 وما أفرزته من نتائج كانت غاية في الخطورة حيث نقلت الأزمة السورية إلى منعطف جديد لم يعد فيه مكان للحديث عن مصير الأسد ولا حتى عن حكومة إنتقالية، بل أصبحت الجهود منصبة على تكريس وجود منظومة الحكم الأسدي مع حمايتها وتوسعتها لتضم أطيافا من المعارضتين السياسية والعسكرية.
تطبيق هذه المقررات إقتضى العمل على ثلاثة محاور، الأول: سياسي تمثل في جمع الراغبين بالإنخراط في العملية السياسية ضمن مكون واحد تولت الرياض مسؤولية جمع أطرافه وتوحيدهم في هيكلية تراعي تمثيل كافة المصنفين على أنهم معتدلون، مع الأخذ بعين الإعتبار أن معظمهم من الذين يدورون في الفلك الإقليمي الذي يتولى إدارة شؤون المعارضة السورية.
المحور الثاني: كان عسكري – أمني أوكلت مهمته إلى الأردن الذي نسق مع نظام الأسد في مسألة فرز الفصائل المسلحة وتصنيفها بين معتدل وإرهابي.
المحور الثالث: وهو الأخطر حيث بدا واضحا أن هناك مساعي لفرض أمر واقع على الأرض يسمح بتمرير التسوية من خلال تعزيز مكاسب الأسد العسكرية على الأرض، فكانت الخسائر الكبيرة التي تمثلت بإعادة إحتلال جيش الأسد المدعوم روسيا وإيرانيا للعديد من المدن والبلدات والمناطق المحررة كما حدث في أرياف كل من درعا واللاذقية وحلب، وهو ما طرح العديد من إشارات الاستفهام حول التقاعس واللامبالاة الذي أبدته فصائل الموك.
في غمرة هذه الأحداث الجسام التي يمر بها الشعب السوري وما يرتكبه الاحتلال الأسدي الروسي الفارسي من جرائم قتل وتهجير وحصار وتجويع وإعادة إحتلال المحرر من الأرض السورية، جاء تصريح العميد العسيري الصادم بأن السعودية مستعدة للمشاركة في أي حملة برية تستهدف قتال تنظيم الدولة الإسلامية، حيث تمثلت غرابة التصريح في توقيته ومضمونه الغير منسجمان مع مجريات الأحداث على الأرض، خاصة لجهة ما يعانيه السوريون من عدوان روسي همجي أحرق الأخضر واليابس وبلا رادع او وازع إنساني او أخلاقي.
جميعنا ندرك حساسية موقف السعودية وما تتعرض له من ضغوطات تعمل جاهدة على التخلص منها للحيلولة دون حصارها وعزلها إقليميا ودوليا خاصة بعد الاتفاق النووي الإيراني، لكن هذا لا يعني أنه لم يكن بإمكان السعودية إستخدام بعض أوراق الضغط التي بحوزتها كي تقدم للشعب السوري أكثر من مجرد مشاركة في الحرب البرية على تنظيم الدولة الإسلامية.
إن دخول السعودية على خط الحرب على التنظيم دون الأسد، قد عزز الشعور السائد لدى معظم السوريين بان الجميع قد باعهم أو خذلهم وتخلى عنهم في أحسن الأحوال، فمن يقتل السوريين ويشردهم اليوم هو روسيا وإيران ونظام الأسد رب الإرهاب وراعيه.
وضوح المشهد السوري اليوم ينبع من وضوح المواقف السياسية والأحداث الميدانية التي تشي وبما لا يدع مجالا للشك بأن حوار جنيف لم يفشل وأن الأمر لا يعدو عن كونه مسرحية هزلية إِستَمرَأَت مأساة الشعب السوري الذي وجد نفسه وحيدا ومنذ 5 سنين أمام هجمة شرسة أهلكت الحرث والنسل، وشردت الملايين في مشارق الأرض ومغاربها فجعلت منهم غرباء يتسولون لقمة الخبز والأمان لدمهم وعرضهم.
كثيرة هي التصريحات التي أطلقتها المعارضة وتعهدت من خلالها بعدم الذهاب الى جنيف الا بعد تلبية مطالبها المتعلقة بالشأن الإنساني والمتمثلة بوقف العدوان وفك الحصار وإدخال المساعدات إلى المناطق المحاصرة، لكنها ومع ذلك ذهبت بعد ان قالت إنها قد تلقت تطمينات وتعهدات من دي ميستورا بتنفيذ مطالبها هذه، لنكتشف لاحقا ومن خلال تصريحات كبار أعضاء الوفد المفاوض أنه لا وجود لأي تعهدات او تطمينات بهذا الشأن وهو ما يعني بالمحصلة أن المعارضة العتيدة ربما تكون قد ذهبت إلى جنيف مرغمة.
ما غفل عنه أو نسيه الكثيرون هو تصريح دي ميستورا الصريح جدا والذي قال فيه أنه “لن يكون هناك مفاوضات بل حوار”، وهو ما حدث بالفعل فالتسوية كانت واضحة بسيطة وغير معقدة، مؤداها تتشاركون الحكم مع الأسد وتتعاونون معه في قتال رافضي التسوية والتنظيمات المصنفة إرهابية مقابل رغيف خبز مغمس بدماء أكثر من مليون ونصف شهيد قتلهم تخاذل العرب والمسلمين قبل أن يقتلهم الحلف الصليبي الفارسي.
*كاتب وباحث سياسي سوري
@kalmuqdad