بين دمج الفاسدين وغياب العدالة … مرهف مينو

في ظل التطورات السياسية الحالية في سوريا، لا يمكن للسوريين أن يتجاهلوا شعورهم العميق بالخذلان الذي يعتصر قلوبهم.

فبينما يتحدث أحمد الشرع عن مشاريع مصالحة وطنية ودمج شخصيات المعارضة في الحكومة السورية الجديدة، يظل السؤال الأبرز: هل حقاً هناك نية حقيقية لتحقيق العدالة وبناء دولة مدنية حرة خالية من الفساد؟

يبدو أن الإجابة على هذا السؤال تتأرجح بين الوعود الزائفة وغياب الأولويات الحقيقية التي تصب في مصلحة الشعب السوري.

دمج الفاسدين .. تكريس للفساد أم خطوة نحو الوحدة؟

منذ اندلاع الثورة السورية، كان المطلب السوري الأهم هو بناء دولة ديمقراطية قائمة على العدالة والمساواة، ولكن في ظل الخطوات الأخيرة التي أعلن عنها أحمد الشرع بشأن دمج بعض شخصيات المعارضة، التي لطالما كانت على علاقة بممارسات فساد، خلال 14 سنة، يبدو أن النظام لا يزال يعيد إنتاج نفس الوجوه القديمة والأجندات المشبوهة. إن دمج شخصيات متورطة في الفساد والتلاعب وتبديد أموال السوريين في الفنادق والمؤتمرات، إنما هو تكريس لممارسات الفساد التي كانت أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى انطلاق الثورة في المقام الأول.

على غرار شخصيات تورطت في فضيحة تزوير جوازات السفر التي هزت الائتلاف السوري، فإن دمج هؤلاء الفاسدين في أي حكومة جديدة يعكس محاولة غير مفهومة لخسارة قاعدته الشعبية، متجاهلاً أن هذا يأتي على حساب السوري الذي ضحى بالكثير من أجل الحرية والعدالة. السوريون، الذين كانوا ولا يزالون يعيشون في ظل واقع مرير من القمع والاستبداد والفقر والجوع والتشرد، يجدون أنفسهم اليوم أمام تسوية سياسية قد تعني تكرار نفس الأخطاء والفساد الذي أفشل الثورة في البداية.

أولويات الشرع المفقودة

في الوقت الذي تتزايد فيه فوضى وفساد الائتلاف الوطني السوري، لا يزال الشارع ينتظر أن تتحقق أولوياته الأساسية. فبينما يواصل النظام استعراض أفكاره حول “المصالحة الوطنية” ودمج الفاسدين في مفاصل حكومة جديدة، نئن تحت وطأة الواقع المؤلم الذي لم يتغير، بل ازداد سوءاً في كثير من الجوانب. نحن لا نريد مزيداً من الوعود الكاذبة، لا تهمنا التسويات التي تسعى إلى إعادة إنتاج “سلطة” ترتكب الجرائم بحقنا. أولويات الشعب السوري تكمن في العدالة والمحاسبة.

نحن بحاجة اليوم إلى محاسبة حقيقية للمجرمين الذين ارتكبوا أبشع الجرائم، وعلى رأسهم شبيحة النظام والمجرمين الذين تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء ودعموا آلة النظام القديم إعلامياً وعلى الأرض.

بينما نجد أن الشرع لا يزال يماطل في محاسبة أولئك الذين أذاقوا الأحرار مر العذاب، نجد أن هناك غياباً تاماً عن تقديم هؤلاء المجرمين للعدالة.

إن الخذلان الذي نشعر به يعكس حقيقة مريرة؛ فبينما يُنفق وقت طويل على تشكيل حكومات مع دمج للفاسدين فيها، تُغفل الأولوية القصوى التي يجب أن تكون محاسبة المجرمين الذين دمروا البلاد واستباحوا أرواح الأبرياء وإصدار قانون يجرم من يصفق للمرحلة الأسدية.

كما أن الخواء الإعلامي يسيطر على الناطقين الإعلاميين، الذين لا يتعدى دورهم في كثير من الأحيان الإعلان عن إنجازات اكتشاف المقابر الجماعية ومخازن الكبتاجون، تهدف إلى تلميع صورة نظام الشرع. بينما من المفترض أن يكون الإعلام موجهًا نحو كشف الحقائق ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم، ورافعاً صوت الشعب الذي ينادي بالعدالة.

غياب العدالة

إذا كان النظام السوري حقاً جاداً في تحقيق أي نوع من المصالحة والمحاسبة، فإنه يجب أن يبدأ أولاً بمحاكمة المسؤولين عن الجرائم التي ارتُكِبت بحقه.

لا يمكن لعملية سياسية أن تنجح ما لم يتم إعادة بناء الثقة مع الشعب، وهذه الثقة لن تتحقق إلا من خلال محاسبة المجرمين. دون محاسبة شبيحة النظام والقتلة الذين دمروا سوريا، فإن أي حديث عن “حكومة شاملة” أو “مصالحة وطنية” هو مجرد محض خيال.

لقد خذل نظام الشرع شعبه – كما خذل الائتلاف السوريين – مراراً وتكراراً، رغم الادعاءات بأنهم لا يستطيعون خلال أشهر تحقيق تطلعات الكل من أصحاب الحقوق والدم. لا يمكن لأي خطوة سياسية أن تصحح ذلك طالما أن العدالة والإعلام الحر مغيّبان، طالما أن الفاسدين لا يزالون في مواقعهم، وطالما أن مئات الآلاف من السوريين الذين فقدوا أحبائهم تحت آلة القمع لا يزالون يبحثون عن العدالة التي أُهدرت في السجون وغرف الملح والمكابس.

ما يشعر به أهل المعتقل ومن صلب في أقبية نظام الأسد “الترك والترقب”. فبينما تتركز أولويات حكومة الشرع على دمج الفاسدين في الحكومة الجديدة، تظل المطالب الأساسية تنتظر أن تتحقق.

لا تتمثل أولويات السوريين في صفقات سياسية أو في استرضاء شخصيات فاسدة لدمجها في السلطة، بل في محاسبة المجرمين الذين دمروا وطنهم، وفي بناء دولة حرة، عادلة، ومتساوية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى