سرقوا ياسمينك .. دمشق

 

دمشق الياسمين .. لطالما تغنى الشعراء بها و بالياسمين الذي اختصت به هي دون سواها من البلدان .

و لطالما كانت مقصد الزائرين من جميع أنحاء العالم ، للتمتع بسحرها الذي يسكن أزقتها الوادعة و الممتلئة بالطمأنينة و السكينة ، و بيوتها العريقة التي يفوح منها سحر الشرق و عبق  الحضارة الأموية .

بداية عصر الاحتلال

فمنذ تولي عائلة الأسد الحكم في سورية .. اندفعت فلول الأُسر التي جلبها معه الطاغية لتستوطن أحيائها العتيقة ، و تتسلق جبالها ، و تنصب أعمدة لبيوتها العشوائية  في قممها .. بغية حصارها من جميع اتجاهاتها  .. و من وقتها بدأت إيران كحليفة للأسد باستيطانها ، و بدأت بدس عائلاتها من الشيعة الذين أتوا إلى دمشق. و قد  امتدت جهودهم إلى محافظات سورية من أجل توطين عائلاتهم من الطائفة الشيعية .. و ذلك تمهيداً لوجودهم الدائم  فيها .

و بينما الناس غافلين عما كان يحدث .. كما هو معهود عن الشعب السوري حركته الدؤوبة من كسب لقمة عيشه التي لم تكن ممكنة دون قيامه بأكثر من عمل يمضي فيه ساعات يومه كلها  ليحصل على ما يمكن أن يسد حاجاته اليومية  فقد تم زرع الآلاف من جماعات الأسر الشيعية الإيرانية ضمن عائلات المجتمع السوري.

 

في البداية بدا الأمر شأناً دبلوماسياً .. العاملين في السفارة و أسرهم ، و الأشخاص المكلفون بالعمل الدبلوماسي و الذين  يفوق عددهم حقيقة  أعداد العاملين في السلك الدبلوماسي مع أسرهم طبعاً ، ثم الوفود القادمة  و أسرهم حتى أن أكثرهم بدأ يشتري عقارات في دمشق. أحياء كاملة تم تملكها من قبل الإيرانيين .. هذا هو حي العمارة بدمشق.. بحجة مقام السيدة رقية.. تم شراء المحلات و البيوت فيه  لخدمة المقام …و كذلك حي  السيدة زينب و المناطق المحيطة به . و التي امتلأت بالأعلام الخضر و رائحة البخور المقرف  المنبعثة منها .. تكاد تخنق المارة. فإذا حاولت المرور بها تجد النظرات تتبعك ، و تلاحق خطواتك و أفعالك ، حتى خروجك من المكان .

نظرات و همزات و تتبعات   .. طبعاً فأنت في وطن محتل .

سورية تحت مطرقة التشييع

لم يكن الراحل  حافظ الأسد يمانع وجود نشاط ديني  شيعي في سورية ، فهو  بحاجة إلى إيران كحليف يدعمه في  حكمه  ،و يلمع صورته أمام المجتمع الدولي  ، و يزيد نفوذه في المنطقة. لذا فقد أغمض عينه عن أعمال التشييع  التي تقوم بها إيران بمختلف أرجاء القطر .

أما بالنسبة لإيران .. فقد  كانت هي الأخرى بحاجة لإرضائه من أجل بقاء  وجودها في سورية بغية تحقيق  هدفها في نشر المذهب الشيعي، تمهيداً لتنفيذ مشروع الهلال الخصيب .

و بذلك التقت المصالح بين رغبة حافظ الأسد بتوطيد أركان حكمه، و بين رغبة إيران في توسيع نفوذها   مقابل دعمه.

و عند تسلم الرئيس بشار الحكم  ، و بدء تفشي الضعف في مفاصل  الدولة ..  فقد تزايد أعداد الوافدين من الإيرانيين  إلى سورية . طبعاً بشار كان بحاجة إليهم أكثر من حاجة والده إليهم و قد تم  استيلائهم فعلاً  على أعمال لها علاقة بالاقتصاد، و كذلك بالتجارة السورية و لذلك فقد دخلت إيران  الأسواق السورية  و لاسيما أسواق بيع و تجارة السيارات ، حتى أصبحت المصدر الأساسي لبيع السيارات و كذلك  الألبسة و المنتجات الحرفية حتى أخذت تزاحم أسواق دمشق في منتجاتها،  فأوجدت لنفسها أماكن في أسواق  دمشق الكبيرة و العريقة و التي كانت منذ الماضي مركز لتصنيع المنتجات و تصدير البضائع إلى مختلف أنحاء العالم كما هو معروف عن الحرف الدمشقية المرغوبة عالمياً. و كذلك  احتلت إيران أماكن في أسواق دمشق التجارية القديمة  كالعصرونية ، و سوق مدحت باشا ، و المناخلية و غيرها .

كما امتدت يدها إلى التوسع في أزقة دمشق .. حتى طالت  المقاهي ، و المطاعم  ، و المنتزهات ،  و مرافق الحياة السياحية ،و الثقافية ، و الطبية  ،بل و مختلف مناحي الحياة  العامة .

تشكيل ديموغرافي جديد

و مما وافق أهواء  الإيرانيين من نتائج الحرب التي بدأت منذ عام 2011 أنه تم إخلاء أحياء كاملة من سكانها السنة ، ليتم زرعها بسكان جدد بهدف تغيير ديموغرافية السكان فيها. و ما زال التضييق على السكان لبيع منازلهم و الهجرة إلى خارج البلاد. و كل ذلك  بهدف إخلائها من سكانها الأصليين ، و إحلال سكان آخرين  مكانهم .

لقد أمعن نظام الأسد في إطلاق يد حلفاؤه في السيطرة على البلاد ، و كذلك أطلق العنان لطائفته في النيل من كل ما تصل يدها إليه من أرواح و مقدرات غيرها. فالآلاف من الأسر العلوية تركت مناطقها و استوطنت دمشق. بل ونقلت قيودها في السجل المدني إلى قيود أحياء دمشق .

عهود من السيطرة و التوارث

هو احتلال داخلي عدا عن كونه احتلال خارجي أيضاً  بأيدي  إيرانية. حيث تكمن المصالح في  بيع البلاد ، و كل ذرة فيها. مما يمكن الوصول إليه من نهب و سلب و مصادرة لأموال الناس ، للتربع على عرش البلاد . ابتداءً من سلطة سرايا رفعت الأسد في السبعينات و الثمانينات .. و وصولاً إلى  الحرس الثوري الإيراني. و ابتداءً من  تجارة رامي مخاوف.. و انتهاءً بكل من تم إطلاق يده في نهب أموال الشعب السوري.

و ابتداءً من الرأس حافظ و ليس انتهاءً بالحفيد حافظ الذي يتم تحضيره لتولي الحكم  إلى عشرات من السنين القادمة ..

و إلى من سمت نفسها بسيدة الياسمين .

 

 مها.م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى