مترو «الميادين» لا يتوقف في دمشق… قناة إيرانية تلفزيونية لسوريا… وإساءة مارسيل غانم

اختار «مترو» قناة «الميادين» في إحدى حلقاته الأخيرة أن يتجوّل بين حيطان عدد من المدن متقصيّاً أحوال فن الغرافيتي (الرسم والكتابة على جدران الأبنية وفي الشوارع وساحات المدن). قابلت ريحان يونان، وهذا هو اسم معدّة ومقدمة البرنامج، مجموعة من فناني الغرافيتي من بينهم اللبنانيان يزن حلواني ومريم غانم (تقول إنها بدأت رسم الغرافيتي بعد انفجارات ضربت ضاحية بيروت الجنوبية)، والفلسطينيان منذر جوابرة وسليم عاصي (يرسم على جدران المخيمات الفلسطينية في لبنان).
جرى الحديث عن هذا الفن الذي ازدهر خصوصاً مع الثورات، وفي مناهضة الاحتلالات والطغيان. وردت أمثلة وصور عديدة لأعمال من مصر، وتونس، والمغرب والجزائر والأردن (نعم، الأردن)، وإيران، التي عرض تقرير منها يصور شعارات مناهضة لأمريكا وسواها من صور.
الكاميرا اختارت ما تريد مما وجدتْه على الحيطان، لم يكن في واردها أن تتحدث عن هذا الفن الصادم، والخطير، والبذيء أحياناً. لم تر إلا العبارات التي تلائم هواها: «البندقية الشريقة وجهتها فلسطين»، «الفن المقاوم»، إلى جانب صور فيروز، أم كلثوم،.. لن تخرج الصور والكتابات عن المخيلة التي حشرت فيها أجيال.
لكن جولة «مترو» «الميادين» المديدة (استغرقت الحلقة 48 دقيقة) لم يخطر ببالها أن تأتي على ذكر فن الغرافيتي في سوريا (على الرغم من أن معدة ومقدمة البرنامج سورية). ذهبت الكاميرا شرقاً وغرباً، سواء بمقابلات شخصية أجرتها يونان، أو بتقارير أعدت وأرسلت من مدن أخرى، لكنها لم تغامر بالمضي إلى الجوار، لترى أي تحد خاضه هذا الفن هناك، كيف كانت علبة البخّاخ تواجه الاعتقال والموت تحت التعذيب والبرميل وصاروخ السكود. وبالطبع يستحيل أن يكون ذلك مجرد سهو، إنه خيار بالتعمية وحذف الأثر الذي تركه الثوار السوريون.
كان الرجل (السوري) البخّاخ ظاهرة مدوخة مع بداية اندلاع التظاهرات في أرجاء البلاد (هل نحتاج إلى التذكير أن البداية كانت من غرافيتي درعا حين كتب الأطفال على الجدران شعارات مناهضة للنظام!). كان أقرب إلى ظاهرة فنان الغرافيتي البريطاني الشهير والغامض بانكسي، غالباً ما كنا نسمع أن هناك من شاهد الرجل البخاخ معتقلاً في هذا السجن، ليظهر من ثم من يقول إنه في سجن آخر، أو أنه لم يعتقل من الأساس، وكان هناك دائماً رسامون يولدون ويولدون.
الأمر محرج لـ «الميادين» بالطبع، فهي حتى لو قررت أن تذهب إلى حيطان الشوارع السورية لتصور الغرافيتي في مناطق سيطرة النظام لن تجد إلا تلك العبارات التي يستحيل تجاهلها «الأسد أو نحرق البلد»، «شبيحة للأبد»، وسواها.
كاميرا «الميادين» لا يمكنها إلا أن تحشر إيران في حلقتها تلك، بقدر ما اختارت تجاهل الغرافيتي السوري، بل وكل غرافيتي لا يشبه شعاراتها. ليس في ذلك أي مفاجأة. هذا هو بالضبط جوهر شغل «الميادين».

مكافأة ريحان يونان

لا مفاجأة في أن تصبح ريحان يونان نجمة أحد برامج «الميادين»، والتي عرفت على مواقع التواصل الاجتماعي مع شقيقتها فايا يونان بعد أداء خلطة أغنيات وطنية معروفة، ليظهر تالياً إنهما مواليتان للنظام السوري. لا مفاجأة، فهذه مكافأة، على ما يبدو، لمن يتفانى إلى هذا الحد في التطبيل للنظام.
التعامل مع العمل الإعلامي كمكافأة لن يكترث في الغالب للكفاءات اللازمة، وسرعان ما ستظهر قلة الخبرة والأداء الرديء.
في تقديمها لحلقة «غرافيتي» من برنامج «مترو» قرأت يونان تقديماً مطولاً تغلب عليه لغة الإنشاء
من قبيل هذه العبارة في وصف فن الغرافيتي «يزين الحارات بكل الألوان، ويضفي على الدروب رسائل ابتسامات». كذلك فإن أداء المذيعة هو أقرب إلى الخطابة المتكلفة لا إلى التقديم الإعلامي.
تقدّم يونان برنامجها مع قدر من الاستعراض وعدم الاكتراث للإعداد، لا يفرق معها كيف تسأل، ولا كيف يجيب الضيوف، ولا كيف ترتب أولويات فقرات البرنامج. كل شيء هنا يذكّرك بأنك أمام شاشة قناة «الميادين».

«سوريا» الإيرانية

أعلنت إيران أخيراً انطلاق البث التجريبي لقناة «العالم سوريا»، ووصفتها بأنها «هدية من الجمهورية الإسلامية الى الشعب السوري بمناسبة انتصاره التاريخي على المجموعات التكفيرية الوهابية المسلحة».
إنها مصادرة جديدة لصوت السوريين، هؤلاء الذين يتحدث الجميع باسمهم، منصات ومنابر وصحف وقنوات، من دون أن يتمكنوا هم أنفسهم من قول كلمتهم الواضحة عبر منبر قوي ومسموع.
قناة سورية من إيران سوف تعني شيئاً واحداً، أن يحتفل السوريون القابعون في ظل النظام بقنواتهم الرسمية، إذ ستبدو هذه، بكل مصائبها أكثر انفتاحاً وتحرراً من قناة «سوريا» الإيرانية.

إساءة مارسيل غانم

مارسيل غانم، الإعلامي اللبناني الذي يواجه حملة شرسة، شعبية ممانعة، قبل أن تكون قضائية، والذي استحق أيضاً حملات تضامنية تستهجن وتستنكر مقاضاته، علق أخيراً بفيديو منقول عن مقابلة إذاعية له مع الإعلامية ريما نجيم عبر إذاعة «صوت الغد»، وفيه (ويبدو أنه لم ينتبه إلى أن المقابلة تبث مباشرة عبر فيسبوك) يرفع غانم يده بحركة بذيئة استوجبت تالياً شرحاً منه عبر بيان اعتذاري يؤكد أن المقصود فيها لم يكن رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري، حيث كان محور الحديث، ولا جمهور المستمعين، بل كانت رداً على الحملة غير المسبوقة ضده على مواقع التواصل الاجتماعي من شتائم  وتهديدات، وتطاول على كرامته ومسيرته المهنية والشخصية والتي كان يزوده بفحواها احد مساعديه خلال الحديث، كما ورد في البيان.
بذل غانم جهداً كبيراً على توضيح من كان المقصود بتلك الحركة الاعتراضية، كما سمّاها، أكثر من الاعتذار عن الحركة النابية نفسها. في الواقع يصعب أن يتخيل المرء صوتاً رزيناً يتحدث بأناقة وهدوء عبر المذياع ويقوم في الوقت ذاته بتلك الحركات الصبيانية. لذلك من شأن تلك الإشارة أن تسيء إلى مخيلة المتلقي الإذاعي، ما دام ليس ضرورياً أن يتواءم المرء مع حديثه، ما دام بإمكانه أن يؤدي أي نص إذاعي رزين ولكن مع وضعية بذيئة ما. لذلك فإن الإساءة للإعلام، كمهنة، قبل أن تكون موجهة لأي طرف كان.

 

 

 

 

راشد عيسى | القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى