النساء ينفقن على 28% من المنازل في السعودية
يبدو أن المعوقات الاجتماعية والعراقيل التشريعية والقيود التي تفرضها القوى المحافظة والدينية السعودية على المرأة لن تصمد طويلاً أمام حركة التاريخ.
تمضي النساء السعوديات بخطى ثابتة إلى افتكاك دورها الطبيعي داخل المجتمع وتمكين نفسها اقتصادياً واجتماعياً، واضعةً التيار المتشدد الرافض لأي دور لها أمام الأمر الواقع.
المصادفة وحدها كانت وراء الكشف عن أن المرأة السعودية تعيل 28% من أسر المملكة. هذا ما أظهرته الأرقام التي أعلنها المشرف العام على برنامج “حساب المواطن” ماجد العصيمي، وهو البرنامج الذي أطلقته السعودية بداية العام الحالي لدعم العائلات وتخفيف الآثار الناجمة عن الإصلاحات الاقتصادية.
دعت السعودية المواطنين من ذوي الدخل الضعيف والمتوسط للتسجيل في البرنامج من أجل أن يتمتعوا ببدل نقدي، لتكتشف أن نحو ثلث هذه الأسر تعيلها نساء. وأشار العصيمي إلى أن هذه النسبة قد ترتفع في الأيام القادمة، مع استمرار عملية التسجيل في البرنامج.
المفارقة
النساء السعوديات اللواتي ينفقن على حوالي ثلث أسر البلاد لا يستطعن حتى الآن، قيادة السيارة أو السفر وحدهن أو اتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بحياتهن الاجتماعية والمهنية، مهما بلغ وعيهن أو مستواهن الدراسي.
تُظهر هذه المفارقة أوضاع المرأة السعودية بشكل سوريالي إلى أبعد الحدود. فالسعودية تضيع فرصة ريادة المنطقة اقتصادياً من خلال عدم تمكين النساء وتهدر فرصاً للازدهار والتنمية بإهمالها للمواهب النسائية.
يمكن تلخيص العراقيل الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها المرأة السعودية في نظام ولاية الرجل الذي تفرضه السلطات على النساء استناداً إلى تفسيرات دينية متشددة. فقد كشف تقرير أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش في يوليو الماضي عن وضع صعب تعيشه النساء السعوديات بسبب هذه النظام الذي يمثل أهم عقبة أمام تحقق حقوق المرأة، ويجعل النساء البالغات قاصرات من الناحية القانونية لأنهن لا يستطعن اتخاذ أي قرارات بأنفسهن. فالمرأة السعودية ما زلت تحت ولاية الرجل حتى وإن كانت تنفق عليه.
وتواجه المرأة في السعودية صعوبات منتظمة عند إجراء معاملات مختلفة دون حضور أحد أقاربها الذكور، مثل استئجار شقة أو رفع دعاوى قانونية. وتأثير هذه السياسات التقييدية على قدرة المرأة على ممارسة عمل ما، أو اتخاذ قرارات تتعلق بحياتها، يختلف من وضع لآخر، ولكنه يرتبط بشكل كبير بإرادة وليّ الأمر.
وفي بعض الحالات، يستخدم الرجال السلطة التي يمنحها لهم نظام الولاية لابتزاز قريباتهم اللواتي يكنّ تحت ولايتهم. حتى أن بعض الأولياء يشترطون على المرأة التي ترغب في العمل والسفر، وتحتاج لموافقتهم، دفع مبالغ مالية كبيرة لهم، بحسب هيومن رايتس.
التميز الاقتصادي
المشاركة القوية والنوعية للمرأة السعودية في القوى العاملة والإنفاق العائلي، لا تعكس وضعاً مريحاً للنساء في سوق العمل. فقد احتلت السعودية مركزاً متأخراً عالمياً في الفجوة بين الجنسين، فبعد أن كانت تحتل المركز 136 في العام 2013 تراجعت إلى المركز 141 خلال هذا العام.
ويكشف تقرير الفجوة بين الجنسين، الصادر أخيراً عن المنتدى الاقتصادي العالمي، والذي يقيس المساواة وفقاً لأربعة مجالات، بينها الفرص الاقتصادية، عن أن المملكة من بين الدول التي تعاني سوء استخدام حاد للمواهب وذلك بسبب البطء في سدّ فجوة عدم المساواة بين الجنسين، والتي قد تهدد النمو الاقتصادي وتحرم الاقتصادات من فرص التطوير.
ويتجلى التمييز الاقتصادي ضد النساء في السعودية كذلك في الرواتب، كغيرها من الدول العربية. إذ تتقاضى النساء السعوديات راتباً أقل عما يحصل عليه الرجال وذلك لقاء العمل نفسه، وتصل نسبة الفجوة في الرواتب بين الجنسيين في المملكة إلى 56%، في بلد تصل فيه نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة إلى 23%، وهي نسبة كبيرة لجهة الطبيعة المحافظة للمجتمع السعودي والمحاذير التي تضعها المؤسسة الدينية أمام عمل النساء هناك.
وعلى الرغم من أن السلطات السعودية قد وعدت بتحسين وضع المرأة الاجتماعي والاقتصادي في “رؤية 2030” التي أطلقها ولي ولي العهد، محمد بن سلمان، بالإشارة إلى الدولة “ستستمر في تنمية مواهب المرأة واستثمار طاقاتها وتمكينها من الحصول على الفرص المناسبة لبناء مستقبلها والاسهام في تنمية مجتمعنا واقتصادنا” غير أن الفشل في القضاء على التمييز ضدّ المرأة ليس مردّه سياسة الدولة، وإنما صعوبات التنفيذ، ولذلك فعلى البلاد السير ببطء لأن الحكومة تواجه ثقافة محافظة وتأويلاً متشدداً للشريعة الإسلامية من قبل مؤسسة دينية قوية، وفقاً لتقارير حقوقية.
إهدار الفرص
التمييز الاقتصادي الذي تتعرض له النساء في السعودية ليس استثناءً في المنطقة العربية التي تشهد أقل المعدلات العالمية في مشاركة النساء في الشأن العام، والمصنفة كالإقليم الأقل تكافؤاً بين الجنسين في العالم وفقاً لآخر تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي حول الفجوة بين الجنسين.
وأشار التقرير إلى أن المجال الأكثر إلحاحاً لتحقيق المساواة هو المشاركة والفرص الاقتصادية وسدّ هذه الفجوة سيتطلّب 356 سنة أخرى.
وكشفت دراسة نشرها معهد بروكنجز في ديسمبر الماضي تحت عنوان المساواة والاقتصاد: لماذا يجب على العالم العربي توظيف المزيد من النساء، أن المنطقة كانت تستطيع كسب حوالي ترليون دولار على شكل إنتاج إضافي، أي زيادة سنوية بنحو 6% من إجمالي الدخل المحلي لو أنها قامت بتقليص الفجوة بين الجنسيين بين عامي 2000 و2011، لتهدر بذلك فرصاً كبيرة لتحقيق الازدهار الاقتصادي.
وتلفت الدراسة إلى أن الفجوات الموجودة في مشاركة النساء في سوق العمل تؤدي إلى خسارة بنسبة 27% من الدخل في جميع أنحاء المنطقة، مشيرةً إلى أن توظيف النساء يطلق اقتصاداً أكثر إنتاجية، حيث تُستغل الطاقات البشرية المتوفرة بشكل متكامل، بل إن ذلك قد يساهم بـ7.2 ترليون دولار في إجمالي الدخل الوطني مع حلول العام 2027، أو 600 مليار دولار سنوياً، الأمر الذي قد يؤدي إلى زيادة في إجمالي الناتج المحلي الإقليمي بنسبة 47% خلال عقد.
لكن تبقى وضعية المرأة السعودية أكثر تعقيداً من أوضاع النساء في بقية الدول العربية، من جراء المفاهيم والممارسات الموروثة وتصلب القوى المحافظة في مواجهة دعوات الإصلاح. فإن تنامي تأثير القوى الاجتماعية المتزمتة ذات الإيديولوجيات التمييزية بين النوعين الاجتماعيين، سيعمق قطعاً الفجوةَ في تمكين النساء، وقد تتمكن تلك القوى من تعطيل أو حتى خسارة المكاسب الصغيرة، التي تحقّقت، بحسب تحذيرات تقرير التنمية الإنسانية العربية 2016، الذي صدر أخيراً، عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
رصيف 22