كيف يخدم مهرجان أفلام حقوق الإنسان قضيتنا من جنيف؟

 

انطلق مهرجان الفيلم والمنتدى الدولي لحقوق الإنسان في جنيف (fifdh.org) في نسخته الخامسة عشرة (10-19 مارس).

المهرجان، الذي يتزامن مع انعقاد دورة مجلس حقوق الإنسان في مكتب الأمم المتحدة في المدينة، يسلط الضوء على واقع انتهاكات حقوق الإنسان في العالم، خارج سرب الخطب الدبلوماسية والأممية.

هذه الدعوة بحد ذاتها خطوة لمصلحة حقوق الإنسان العربي، لأن التمثيل العربي المستقل في المحافل الدولية الحالية ليس كافياً، ناهيك بغياب التمثيل اليمني.

قد حضرتُ عدداً من الأفلام الوثائقية العربية وغير العربية والنقاشات، لأنقل لكم ما صوّرت العدسات من واقعنا.

ولأن في جعبتي قصص المجاعة والحرب في اليمن، وكل النزاعات والحروب والكوارث الإنسانية، في عدد كبير من بلدان منطقتنا، سطرت خطين تحت أسماء الأفلام الوثائقية عن الدول العربية، في بروشور المهرجان. سنحت الفرصة لي حتى الآن مشاهدة الأفلام التالية، مع الجمهور أو مع لجنة التحكيم خلال عروض حصرية. وهي أفلام شفافة، صادقة، تعبّر عن هموم الملايين في الوطن العربي والعالم.

Tickling Giants

فيلم للإعلامي المصري الساخر باسف يوسف، مقدم برنامج البرنامج، الذي حصد مشاهدات هائلة. الفيلم يوثق تجربة يوسف المثيرة للجدل، على مدى أربع سنوات، والتحديات التي واجهته في سبيل الاستمرار في عرض البرنامج. وكيف اضطر إلى إيقاف عرضه. المجهود الذي بذل في متابعة باسم يوسف على مر كل تلك الأعوام، يعتبر عملاً دؤوباً، وقصة باسم يوسف، هي انعكاس لانكماش مساحة حرية الرأي في مصر.

لكن عتبي على منظمي المهرجان، هو أنهم دعوا صوتاً مصرياً يعطي تعليقه أو شرحه للوضع في مصر بعد عرض الفيلم. فذلك مثلاً، كان ممكناً أن يثير نقطة، كيف أن رغم معرفة الغرب بسياسة تكميم الأفواه في مصر، ما زال عدد من الحكومات الغربية متحالفاً مع النظام القمعي في مصر. أحببت أن باسم يوسف صُوّر في الفيلم كرمز لحرية التعبير في مصر، لكن مع انتهاء النقاش عند هذه النقطة، يحشر في زاوية الضحية. فمن يخبر الغرب أننا أكثر من مجرد ضحايا أنظمتنا القمعية؟

 The War Show

فيلم آخر ينقل صورة مأسوية لجزء من واقع ضحايا الحرب في سوريا، للمخرج الدنماركي Andreas Dalsgaard والمخرجة السورية والصحافية Obaidah Zytoon. الفيلم يوثق قصص عدد من الأصدقاء السوريين والسوريات، الذين عملوا على تصوير أنفسهم، بدءاً من بداية الثورة حتى العام الماضي. يأخذكم الفيلم في فصول القضية السورية بشكل سلس، ليشرح تفاصيل معقدة بسرد بسيط وإنساني. الفيلم بعيد كل البعد عن الأفلام الوثائقية المعدة لوسائل الإعلام التقليدية، وطريقة السرد من النوع السهل الممتنع.

من العبارات التي لا تزال ترن في رأسي بعد مشاهدة الفيلم هو “عرض الجريمة مستمر، تحت كاميرات العالم”. ستشعرون بمرارة الجريمة في نهاية الوثائقي ومعرفة أن عدداً كبيراً من أبطال الوثائقي قضوا نحبهم.

 Nowhere to Hide

فيلم آخر من العراق للمخرج Zaradasht Ahmed، الذي يحكي عن جحيم الحياة في إحدى المدن الصغيرة “جلولاء”، أثناء اجتياح قوات الدولة الإسلامية (داعش) وبعده في السنوات الأخيرة. الفيلم يوثق قصة نوري شريف، الذي يعمل ممرضاً في مدينته جلولاء، حيثُ يعيش حياة بسيطة مع زوجته وأطفاله. بعد أن أقنعه زارادشت، حمل نوري الكاميرا، ليوثق تفاصيل الحياة اليومية وسط عملية اجتياح قوات الدولة الإسلامية للمدينة. “لا أحد يفهم هذه الحرب العبثية”، يكرر نوري الجملة هذه في مجريات الوثائقي، ويعبر عما يدور في أذهان الكثير من ضحايا الحروب في منطقتنا العربية. دفعتني هذه الجملة للبكاء مراراً أثناء مشاهدتي الفيلم لأنها تعبر تماماً عما أريد أن أقوله عن الحرب في اليمن.

Syria’s disappeared: a case against Assad

تميز المهرجان بإقامة العرض العالمي الأول لهذا الوثائقي من سوريا عن المخفيين قسرياً والتعذيب في السجون، إذ يوثق شهادات الضحايا ورغبتهم في تحقيق العدالة لكل المخفيين والمعتقلين. عدا الصور المأسوية المعروضة في الوثائقي، هنالك شهادات تدمي القلوب من الناجين من سجون الاعتقال والتعذيب الوحشي. فإذا لم تنصف العدالة أصحابها، فإن هذا الفيلم سيغير نظرة الكثيرين للقضية السورية، في سبيل نصرة الإنسانية ومناهضة التعذيب والإخفاء القسري.

 I am not your Negro

فيلمٌ سرق قلبي، إذ يناقش العنصرية في أمريكا من خلال سرد جزء من مذكرات الكاتب الأمريكي الأفريقي جيمس بالدوين. يتحدث الفيلم عن كيف يحدد لون بشرتك تجربتك في العالم. أتحدث هنا عن السياق الوجودي، وليس عن تجارب الحياة العادية، فمستحيل أن لا نعترف بأننا نعيش في عالم يسوده منطق “سيادة البيض”، أو ما يعرف بالإنجليزية بـ”white supermacy”، التي كانت ولا تزال مشكلة أي حضارة وصلت لها البشرية أينما كان.

أدعو كل عربي لمشاهدة الفيلم، وأراهن على أن لدى كل عربي ألف سبب لأن يصرخ أيضاً: I am not your negro!

لا يزال أمامي فيلمان وثائقيان على الجدول، هما “اليمن تحت الحصار” لمخرجة الأفلام الوثائقية السعودية صفاء الأحمد، و”قصف العزاء” للصحافية البريطانية اليمنية في البي بي سي نوال المقحفي.

 

 أين نذهب من هنا؟

هناك مناخ جميل في المهرجان لتعزيز ثقافة حقوق الإنسان، ولكن تلك الثقافة لم تبلغ ذروتها بعد. أتمعن في قضايا حقوق الإنسان فأجد أن النساء مثلاً في أول سلم درجات الاضطهاد، علماً أنهن اليوم في أحسن حال مما كنّ عليه. على الأقل، بات للنساء حق التصويت في غالبية دول العالم، الأمر الذي لم يكنّ يحلمن به في الماضي.

من الصعب جداً أن نرى أن ثقافة حقوق الإنسان منتشرة، بشكل يفهمها ويحترمها الجميع، في الوقت الذي نجد فيه التطرف اليميني، في الغرب والشرق، في تمدّد، ويتم التضييق على الحريات وانتهاك أبسط حق للإنسان في العيش. عدا أن الجرائم التي يرتكبها تنظيم داعش والأنظمة القمعية في الشرق الأوسط صادمة. ومع تصاعد الأحزاب اليمينية العنصرية في دول أوروبا، ورؤية زعامة دونالد ترامب في الولايات المتحدة، كيف تعمل على تضييق الحريات في الداخل، وإقفال الحدود أمام عدد من الدول الإسلامية، نجد اليمين في تطرف مستمر.

يقلقني كثيراً أن يصبح كل ما هو مسلم أو يبدو مسلماً، في دائرة الاضطهاد، ناهيك بالقتال الطائفي والعقائدي.

من الجميل جداً أن نرى مجتمعات وجماعات غربية، كمنظمي هذا المهرجان، تعمل على رفع الوعي في شأن حقوق الانسان، خصوصاً بالتزامن مع المحادثات التي تجري في مجلس حقوق الإنسان، في مكتب الأمم المتحدة. ولكن على المجتمعات الغربية أيضاً أن ترى ما هو دور حكوماتها في النزاعات والحروب في الجهة المقابلة للعالم. مثلاً، ما دور الاتحاد الأوروبي في صفقات الأسلحة مع الحكومات العربية القمعية، التي على الأرجح تقترف جرائم حرب أو جرائم ضد الانسانية، من خلال تلك الأسلحة المصنعة في عدد من الدول الأوروبية. لا يكفي أن تمجد الشعوب الغربية أبطال الحريات وحقوق الإنسان في عالمنا العربي، بل لا بد أيضاً من مساءلة حكوماتها عن دورها في التعاون مع حكوماتنا العربية القمعية.

 

 

 

 

 

رصيف 22

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى