الصيام ينسف نهج الطغاة: “جوِّع شعبك يتبعك” .. د. أسامة الملوحي
“جوِّع شعبك يتبعك” هو نهج الطغاة وسبيلهم في إخضاع الشعوب…
بل إن الطغاة العرب ليطبقون هذا النهج وفي بالهم القول على حرفيَّته :”جوع كلبك يتبعك” لأنهم يستخفون بشعوبهم بل يحتقرونها إلى درجة خطيرة.
في عهد حافظ أسد تعلم الشعب السوري كيف يقف طويلاً في طوابير الخبز وفي طوابير الجمعيات الاستهلاكية ليحصل على الرز والسكر والزيت وجمعيات أخرى للغاز وبعض المشتقات النفطية وكانت الأسرة تقضي ما مجموعه عمر فرد منها في الانتظار الطويل لتنال حصة الحد الأدنى من مواد الإعاشة الأساسية.
ولا ينسى أحد من جيلنا رحلات الفجر اليومية إلى المخابز القريبة والبعيدة لتأمين الخبز اليومي للأسرة وبه فقط كانت الأسرة تشعر بالأمان….
لقد استمر فقدان الأمن الغذائي عند أغلبية الشعب السوري طيلة عهد حافظ أسد…
وفي عهد بشار الوريث تراكمت الجهود الفردية السورية الخاصة التي فاقت كل مثيلاتها في الجوار كمّاً ونوعاً, فزاد حد الدخل الفردي الخاص فوق حاجز الأتاوات والشراكات الإلزامية والرشاوى ومع وجود معيل إضافي لكل عائلة في الخارج, يعمل ويرسل لأهله باستمرار, فأصبح هناك فائض نسبي أبعد الناس عن الجوع .
وبعد اندلاع الثورة ظن النظام أن التجويع الممنهج المستمر المتراكم قد شكل سبباً لانتفاض الناس وتظاهرهم فراح على الفور يوزع أكياس الخبز المجانية وفوجئ برد المتظاهرين “الشعب السوري مو جوعان” فسمت الثورة وارتفعت عن مستوى ثورات الجياع….
فأبطنها بشار في داخله وراح مع أجهزته الأمنية و آلته العسكرية و مؤسساته الحزبية والحكومية يصنع الحصار و التجويع بأشد درجاته ومشاهده ليكون التجويع عاملاً استراتيجياً حاسماً في دخول النظام واجتياحه لعشرات البلدات والمناطق في أنحاء كثيرة من سورية وليساعد في خلق الردع المستقبلي المطلوب أيضاً.
إنه نهج مريع مهلك ولن يستطيع نهج مضاد أن يبطله غير نهج الإسلام العميق الذي يتغلغل في القلوب فيملكها ثم يأمرها لتحقق شفاءها ووقايتها ثم مصلحتها العليا.
لقد سلط الإسلام ركن الصيام على هذا النهج الخبيث الذي يمتد تطبيقه من تجويع مستبد لشعبه ليتبعه وينشغل بتوفير اللقمة عن أي اعتراض أو رفض, إلى تجويع وحصار من بلاد كبرى تجاه بلاد ضعيفة وشعوب مستضعفة رفضت إذعاناً أو ولاءً.
كل أركان الإسلام وفروعه مرتبطة ومتصلة بالعمود الأساسي العظيم للإسلام, ألا وهو التوحيد.
وارتباط الصيام بالتوحيد لا يتجلى مباشرة إلا إذا تأملنا في الآية الكريمة “أفرأيت من اتخذ إلهه هواه…”: لقد وصفت الآية أهواء الإنسان إلهاً له إذا أذعن إليها واستجاب لها بلا حدود وضوابط فسيطرت عليه وخضع لها, إنه الربط بين الخضوع والتأليه…..إله المرء من يخضع له أو ما يخضع له حتى لو كان جزءاً منه ومن شهواته وأهوائه.
وليس هناك في أهواء و شهوات الإنسان أعتى من شهوتي الطعام والجنس إذا انفلتتا, وليس هناك أقسى من الحرمان إذا طالهما.
والصيام يواجه سعار الفرج والمعدة بالتدريب والترويض فيدرب رمضان المسلم بالصيام والقيام ويقويه ليسيطر على هاذين العضوين من أعضائه…
شهر كل سنة, رمضان يأتي فيدرب ويُجهز ويقوي حتى إذا أتت ضرورات ومهلكات معدَّةٍ من عدو أو حاقد يكون المسلم مستعداً لها وعصيّاً ضدها.
فإذا أراد عدوٌ حاقد أن يُركِّع مسلماً بالتجويع فحاصره ليذعن لما يريد فلن يكون هناك مقاومٌ يفوقه في الصبر والتحمل والمطاولة فقد تدرب شهراً كل سنة لمثل هذه المواقف والأحداث.
وقد تحدث المتحدثون عبر السنين والقرون عن فوائد الصيام وآثاره حتى أترعوا الكتب والمجالس ولكنهم لم يذكروا هذا الأمر بوضوح وقوة ولم يربطوه, فلم يلتفت كثيرون إليه عندما طُبق الحصار والتجويع سافراً في غزة والعراق وسورية, ولا حين طُبق التجويع تحت الرماد في أغلب الدول العربية والاسلامية.
وربما ضاع التدريب الرمضاني الذي كان بغير ربط وتوجيه….توجيه ضد خضوع الفرد أو شططه وتوجيه ضد خضوع شعوب وأمم…. وهو في النهاية خضوع لغير الله جل شأنه.
لقد جعلونا نقدس لقمة العيش فسمينا الخبز عيشاً ورحنا نحمله بسرعة ونقبله كلما سقط على الأرض ثم نرفعه عالياً, ولعنّا من يدوس عليه رغم أن الخبز كغذاء و صحة لم ينفع إلا في زيادة البدانة والترهل فينا ورحنا نلف فوق الخبز خبزاً,
ولم نفطن إلى معنى الآيات الكريمة الصارخة ( ….والذي أخرج المرعى فجعله غثاءً أحوى ..): لقد أهان الله المرعى كله, مما يأكل الإنسان والحيوان…لقد أهانه الله ووصفه الله بالمكنوس الأصفر الأسود الذي لا قيمة له عند الله…
ولم نفطن أيضاً إلى معنى كلام حفظناه منذ الصغر: (لو كانت الدنيا “مع كل مرعاها” تساوي عند الله جناح بعوضة لما سقى كافراً شربة ماء).
وراح بعضنا يبرر كل بوائقه بسبب لقمة العيال… فهو خانع مطأطئ ساكت لأجل العيشة والمعيشة وتأمين قوت العيال وراج بين الناس : (بدنا نعيش…العيال مجبنة مبخلة…كنا عايشين…).
“يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون”
لعلكم تتجهزون وتدربون أنفسكم وأهليكم فتتقون الانهيار والخضوع والذلة إذا ضُرب عليكم الحصار والتجويع .
ولعلكم تنسفون نهج الطغاة في سياستهم بتجويعكم لتركيعكم فتتقون استبدادهم واستمرارهم جيلاً بعد جيل.
الصيام ينسف نهجاً خطيراً للطغاة….ورمضان ينسف الطغاة بأكثر من سبيل.
أهلاً رمضان وسهلاً.