رمضان بطعم الجوع .. علي خيري
شهر رمضان في مصر له طعم خاص، اعتادت الشعوب الإسلامية علي هذة المقولة، فالشعب المصري شعب كريم أصلًا، و دينه يأمره بأن يصبح أكثر ما يكون كرمًا في شهر رمضان الفضيل، فلقد أعتاد الشعب المصري على نصب السرادقات التي تحوي موائد الأفطار العامة، والتي نسميها ( موائد الرحمن ) والتي كانت تزخر بأطايب الطعام والشراب طوال الشهر المعظم، فكانت هذة الموائد أفضل متنفس للمعدمين الذين قد لا يتذوقون طعم اللحم إلا على هذة الموائد كل سنة.
أما داخل البيوت فكان الناس يوسعون بقدر إمكانهم على أنفسهم و أهليهم طوال هذا الشهر الكريم، وكانت الأسر تبدأ من منتصف شهر شعبان في شراء الياميش الرمضاني، فمن النادر جدًا أن يخلو بيت مصري من الياميش بأصنافه و ألوانه، مهما كانت الحالة الإقتصادية لهذا البيت، و تجد الأهل و الأصدقاء و زملاء العمل يتبادلون الأفطار طوال الشهر، و يتفنن كل أهل بيت في إكرام ضيوفهم، على قدر سعتهم.
هذا كان فيما مضي من سنين، أما رمضان هذة السنة التي نعيشها، فهو رمضان ذو طعم خاص، رمضاننا الراهن رمضان بطعم الجوع !!! ، طعم أقترب حتى ممن كان يعتبر نفسه مستور الحال من تذوقه، فما بالك بالفقراء .
أصبح الصراخ من غلاء الأسعار شعار المرحلة، وحديث الساعة، و مادة السمر الوحيدة في كل الأوساط المصرية، الناس لم تعد مشغوله إلا بأخر أسعار الأرز و الفراخ واللحم والسمك وووووووو .
رأيت اليوم ظاهرة أقسم أنني لم أرى مثلها قبل ذلك، كنت جالسا على مقهى بلدي في منطقتي الشعبية مع بعض الأصدقاء، فرأيت رجلا يقترب من سن الخمسين يتسول من الجالسين على المقهى، لكن ما صدمني أن هذا الرجل لم يكن وحده بل معه زوجته التي قد تصغره قليلا و أبنته التي من الواضح أنها لا تتجاوز الخامسة عشر من عمرها.
هذا المنظر الذي لا أستطيع أن أصفه بأقل من الرهيب ، منظر عائلة تتسول بكامل هيئتها ، حتى و إن كان هذا دربًا من دروب النصب و الإحتيال – في حالة سوء النية – تنبئك إلي أي درك وصلت حالتنا .
تخيل يا سيدي لو أنك إنسان محدود الدخل، كالكثير من أهلنا، و أنك مسئول عن أسرة تتكون من زوجة و أطفال، و دخل عليك شهر رمضان المعظم، أول ما سيقابلك هو رغبة أولادك في الفوانيس، ثم ستصدم أن زوجتك تطلب منك أصناف من الطعام قد لا تعلم نطق أسمها أساسًا، و إذا سألتها ستجيبك بأنها تعلمت كيفيه صنعها من الشيف فلان الذي يقدم برنامجه على أحدى القنوات المتخصصة في الطعام.
هذة القنوات تطبخ لمن ؟ لا أعلم، أشعر أنهم يكلمون شعبا أخر يعيش في دولة أخري، لا يعاني كل من أقابله فيها من غلاء الأسعار، قنوات الطبخ هذة تعد برامج خاصة لرمضان، و تغفل أو تتغافل عن أن رمضان هذا العام لن يحتاج لجل وصفاتهم، لأنه رمضان بطعم الجوع.