”العربية” و”سكاي نيوز” وشعار “عنزة ولو طارت”… وترامب يسأل: ألا يوجد فصيل نسائي في الحرس السعودي؟
تحول استقبال دونالد ترامب في السعودية إلى “فاصل دعائي” تعيده قناة “أم بي سي” بين كل برنامج وآخر… المسألة بدت أقرب لدعاية الجبن اللذيذ المطور حاليا بإسم “البقرة الضاحكة” فالزملاء في القناة الثانية السعودية، ومعها محطات “أم بي سي” الخمس يصرون على توثيق اللحظات التي هبطت فيها طائرة ترامب أطهر بقاع الإسلام، بإعتبارها لحظة قومية بامتياز قد لا تقل أهمية عن تحرير صلاح الدين الأيوبي للقدس!
الفاصل الدعائي يبدو هادفا باستثناء فم الضيف المفتوح على الدهشة في المكان، حيث ينطلق بسبب “الفوتو شوب” إياه نسر من قرب أنف ترامب ليحط على كتف خيالة في الصحراء يرفعون سيوفهم باتجاه سلم طائرة أخرى تنزل منها الفاتنة إياها إيفانكا… إخراج مسرحي سياسي بامتياز.
خيل وليل وبيداء وسيوف وخناجر وحناجر وقصائد بدوية ورقص تراثي… كلها كأنها حفلة “وناسة سعودية” وطنية ترفع لها القبعات لو لم يصر المخرج الفذ على حشر ترامب وإيفانكا بثوبها المزركش في تفاصيلها لكي يبدو قائد العالم خارج الإيقاع ومندهشا في كل التفاصيل وتائها بين الحرس والعسس والراقصين وباحثا – كما قال لاحقا – عن أي أنثى مهما كانت في المكان ليودع زوجته بين يديها .
صديق سعودي مطلع قال إن ترامب سأل في المطار عن ما إذا كان الحرس الوطني السعودي فيه فصيل “نسائي”… لكن رغم ذلك بقي عادل الجبير محتفلا لأن ترامب حضر وغادر ولم ينبس ببـنت شـفة لها عـلاقة بقيـادة المرأة السعـودية للـسيارة!
ترامب واضح وصريح
في درجة إحتفال عادل الجبير نفسها احتفل مرة رئيس الديوان الملكي في بلادي لأن ترامب تفاعل مع المملكة و”ما جاب سيرة من أي نوع للإصلاح السياسي والديمقراطي في الأردن”.
عموما المسائل أوضح مما ينبغي، فمن يزيفون الحقائق من الحاشية للزعماء في النظام الرسمي العربي مسرورون جدا، لأن ترامب ليس من النوع، الذي “يأتي على سيرة حقوق المرأة والإصلاح السياسي”… وهو يناسب الوضع العام في بعض الدول العربية لأنه من النوع الفصيح والمتخصص في “حلب وابتزاز الأموال” وفي بلادنا لا يعني المال شيئا، خصوصا عندما يدفع للخواجات ويحرم منه الإنسان والمواطن.
صحيح أن ترامب في حفلات الوناسة، التي أقيمت مع ضجيج له في السعودية بدا كمن أضاع “حجابه”.
لكن الحجاب موجود وبكثرة عندما يتعلق بالتسامح في الإصلاح والنجاح في إجتذاب المال تحت عنوان “الحماية” وميزة الرجل أنه واضح وصريح فقد قالها في المؤتمر الصحافي وعلى شاشة التلفزيون السعودي وأمام ولي العهد.. “الإتفاق الذي وقعناه اليوم يعني ملايين الوظائف للأمريكيين”.
“عنزة… ولو طارت”
على طريقة فاصل ونواصل … أظهرت محطتا “سكاي نيوز” و”العربية” تحديدا في الليلة الكبيرة التي أثارت ضجة كونية بسبب حديث مفبرك لأمير قطر… أظهرتا قدرة عجيبة على مقولة “عنزة ولو طارت”، وهي مقولة دارجة في بلاد الشام.
حصل ذلك عندما أصرت المحطتان ولفجر اليوم الثاني، ورغم النفي القطري المتكرر على مناقشة حيثيات خطاب لم يدل به أمير قطر، وخلافا لكل المقتضيات، التي تعلمناها في الصف الأول الإبتدائي لمهنة الإعلام.
بدا أن الضيوف قد تم تحضيرهم مسبقا وحجزت الإتصالات معهم وأغلبهم طبعا من طبقة الردح المصري المعروفة لدينا، وذلك يحصل في حالة واحدة فقط قوامها أن الفريق الأعلى لم يوصل تعليمات جديدة للفريق الأدنى بعنوان “الكمين تم إفساده” والطابق “إنكشف”.
بقي المعلقون في المحطتين مسترسلين في التعليق والنقاش، وطبعا الردح، رغم مطر النفي القطري لأن الإستديوهات، التي تدير الحوار أصلا لم تصلها تعليمات جديدة.
من باب النكتة حصل شيء مماثل في بلادي الأردن مرة، فقد أمر أحد القادة قبل 400 عاما بوجود “غفير” على “صبة باطون خضراء” حتى تنشف ولأن تعليمات جديدة لم تصدر يقال أن وظيفة “غفير صبة الإسمنت” بقيت مستمرة لأربعين عاما إلى أن حضر مسؤول جديد ولاحظ عدم وجود حاجة لحراسة مساحة إسمنتية في مكان غير حساس.
لدينا شاهد عيان صديق حضر الإحتفال القطري، الذي بدأ في الصباح الباكر ولاحظوا أن قصة الخطاب المفبرك ولدت قرب منتصف الليل، وهو أمر واقعي، لأن الخطابات المهمة كذلك المفبرك لا تبقى في الثلاجة لنحو 12 ساعة لكي تولد فجأة وتصنع كل الإثارة والجدل.
عموما ثمة حسابات معقدة سياسية وراء كل الفيلم، ولسنا معنيين بالدفاع عن أحد ضد أحد، لكن الطبخة محروقة ببساطة، بل شاطت رائحتها وغرفة الكونترول في محطتي “العربية” و”سكاي” أظهرتا ميلا شديدا لتلاقح الثقافات مع بلاد الشام عندما تمسكتا بشعار “عنزة ولو طارت”.
القدس العربي