فوق أم تحت السلطة؟ السفير العتيبة وشهرة شاروخان… و”الغسيل العربي” على الهواء الطلق
لا يدغدني إطلاقا الزميل، الذي يطل على شاشة “الجزيرة” على هيئة فاصل ترويجي متكرر ليقول.. “أنتم فوق السلطة”.
يقصدني الرجل كمتلقي ومشاهد .. لكن بصراحة لا أشعر أنني فوق السلطة ولو بإنش واحد، بل أرزح تحت أثقالها، وكمواطن عربي “أفاهق” والكلمة الأخيرة بالشعبية الدارجة تعني “أكاد أختنق”.
عندما نشرت مقالا مؤخرا ليس عن السلطة، بل عن رجال الظل فيها هاتفني عشرات الأصدقاء وبعد التحية اختتموا بالنصيحة الأردنية المألوفة.. “دير بالك على حالك”.
وهي دوما العبارة المعلبة، التي تهددك بالويل والثبور لأنك كدت تقترب من ذلك الكائن الذي يلهو في حقل السلطة ويرتع ويتعامل معه الجميع وطنيا بإعتباره قطة شيرازية رشيقة وهي في الحقيقة “فيل” متخصص بتحطيم الجرار.
ما وراء “شاروخان”
حتى في برنامج “ما وراء الخبر” حطم الزميل محمد كريشان جراراً عدة بحلقة واحدة وهو يزعج نفسه بتدبير ضيفين وحجز البث الهوائي الدولي وتحضير 13 سؤالا للتعليق على ما كشفته صحيفة أمريكية حول مغامرة فضائحية جديدة للسفير المشهور يوسف عتيبة.
صاحبنا السفير العتيبة أصبح أكثر شهرة من شاروخان الهندي.. صوره تملأ الفضاء مرة “بتي شيرت” أصفر ومرة بـ”الغترة” والزي التقليدي، وثالثة بطقم عصري حديث .
“العربية” مثلا تتخصص بنشر صور عصرية للسفير العتيبة، الذي أصبح عنوانا للأزمة بين الأشقاء حتى كدت أشعر بأن هناك تضخيما للرجل وهو الوحيد المسؤول عن ثقب الأوزون وطبعا نتحدث عن الأوزون العربي المثقوب أصلا.
على سيرة شاروخان واللكمات التي وجهها لرامز جلال في برنامج سحليته ظهر الرجل مجددا على شاشة “أم بي سي” يتحدث ويبتسم للشارع العربي بعدما قبض “الشيء الفلاني” وسمح بعرض حلقته التي صورها وسط الوحل مع السحلية.
يُقال على ذمة الرواة إن شاروخان حصل على 400 ألف دولار طقة واحدة مقابل إطلالته في الوحل الصحراوي الإماراتي.. لو عرض الأمر علي – لا سمح الله – لضمنت حشدا من قبيلتي يقبل بالمغامرة مقابل خمسة آلاف فقط ومن باب التكارم المألوف عندنا يمكن انجاز الصفقة مجانا بعد قدر قليل من التخجيل.
المبالغ التي يلعب بها السفير العتيبة أكبر بكثير وفقا للحلقة الأخيرة من برنامج الزميل كريشان، أي ربع مليار دولار، لكن بدون وحل مباشر هذه المرة بإستثناء الوحل السياسي، الذي تغرق فيه هذه الأمة طوعا ومجانا وطوال الوقت.
نشر الغسيل العربي
“الجزيرة” تقف كحارس عنيد يرد على كل ما يرد في فضائيتي “سكاي نيوز” و”العربية”، ومن جهتي أجمل ما تقدمه هو تلك المشاهد، التي تنعش ذاكرتنا بوعود الرئيس السيسي، التي لم تنفذ لشعبه .
في حفلة التنابز الإعلامي بين الفضائيات العربية انكشف ستر بعض السفراء لنا وما خفي كان أعظم.
الحملة ظالمة وغير مبررة على قطر.. هذا ما أشعر به كمواطن عربي يحرضني الزميل في الفاصل الدعائي على أن أتمترس فوق السلطة، بينما تجثم السلطة على قلبي وأنفاسي فيما لا يعجبني إطلاقا الاسترسال في نشر “الغسيل العربي” على هذا النحو، خصوصا أمام الخواجات، الذين ينفخون طبعا بالبارود والنار وتساهم صحافتهم في “تذخير” الأشقاء.
أشعر بالغيرة أيضا لأن التلفزيون الأردني أشار بصورة عابرة لتعهد وزير الخارجية أيمن الصفدي بمعالجة كل مظاهر القصور في سفارات البلاد في الخارج، حيث يوصف سفراء بلادي في أغلبهم بالعبارة التالية “لا للهدة ولا للسدة” بمعنى يجلسون مطولا في الحياد، فلا يعملون ولا ينتج عنهم خطأ أو عكسه.
يحتاج الأردني أحيانا لسفير تثار حوله الغبار، ونفسي أن تسطو وكالة أمريكية إعلامية على بريد إلكتروني لأحد سفراء بلادي حتى نستطيع تحويله لرمز وبطل قومي، كما يفعل الأشقاء مع “عمو” العتيبة .
من حقي أن مشاهدة ولو سفير واحد يثير كل هذه الضجة، ويبدأ العالم بفتح ملفاته وتطارده “بي بي سي” أو “الجزيرة” أو حتى محطة “الميادين”.. أنا مواطن أردني غلبان محروم من هذه النعمة والمتعة لأن غالبية السفراء خاملون وتم تعيينهم بالواسطة أو كجائزة ترضية ولأن القانون السائد وسط النخبة هو التالي ..”لا تعمل .. صحيح أنك لن تنتج لكن الأصح أنك لن تخطىء”.
مع ذلك لن يخدعني سر الشاشة فأنا “تحت السلطة” ولا تسألني ولا أسألها.. حالي حال الغالبية الساحقة من المواطنين العرب والحرب التي تشن على الشعب القطري أثبتت تلك “البداوة” المستقرة في وجدان المؤسسة العربية عموما وكأن المسألة غزوة على الطريقة القبلية، رغم وجود نحو 62 جامعة دولية وعالمية في دول الخليج العربي فقط.
أكثر ما تقهرني هي حفلات نشر غسيل السفراء.
لكن ما علينا لا توجد حالة سطو على بريد أي سفير أردني ومراسلات سفراء الكيانات العدوة في إيران وإسرائيل مسترخية ومرتاحة ولا أحد يفكر باختراقها وتحويلها إلى برامج، كما تفعل “سكاي نيوز”.
بسام البدارين | القدس العربي