مع الهجوم الحاد على فيلم اللبنانية نادين لبكي «كفر ناحوم»، الحائز أخيراً على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان «كان» السينمائي، يمكن القول إن الإعلام الممانع دخل مرحلة جديدة، منتشياً بأوهام النصر في سوريا ولبنان.
هنالك وجهة نظر تفسّر الهجوم على لبكي بسبب مشاركة أطفال سوريين لاجئين في لبنان في البطولة الرئيسية للفيلم، فذلك يسهم في تبديد مقولات التيار الممانع بأن اللاجئين السوريين في لبنان ما هم إلا «دواعش»، أو مجرمين جنائيين، لا يستحقون إلا التنكيل، ربما، وجهة نظر معقولة، ولو أن من البديهي أن السوريين ليسوا كذلك، ولا يحتاج الأمر لبرهان.
لكن قد يكون الأمر أبعد قليلاً من ذلك. لقد فرغت «دولة حزب الله» من مرحلة المجاملة، وتحاول اليوم إلقاء عبء الكلام عن قبول الآخر ونظريات العيش المشترك وخلافه في أقرب سلة مهملات. لبنان الذي يريده هؤلاء شديد الوضوح، وقد تصلح هاتان التغريدتان مثلاً لهذه النظرة، الأولى للمذيعة في تلفزيون «المنار» منار صباغ تقول فيها «بمناسبة الإفراط بالحديث عن الشخصيات التي ترفع رأس لبنان عالياً لجائزة أو مسابقة أو تحدٍ ما.. يا معشر المثقفين، أبناء فينيقيا منهم تحديداً، هذه الصور لشهداء اليوم الأول من معركة القصير 2013 .قبلهم وبعدهم ارتقى كثر من قديسينا الشهداء… باعتقادي لبنان يكفيه هذا المجد لقرون».
هكذا وبكل وضوح، لم تتحدث صباغ عن شهداء متفق عليهم سقطوا في مواجهة إسرائيل مثلاً، بل أشارت حصراً إلى أولئك الذين سقطوا في معارك طائفية في سوريا. والمناسبة؟ فقط لأن أحداً ما يفخر بإنجاز لبناني لا يتضمن أية إشارة لقتلى «حزب الله» في معارك القصير!
التغريدة الثانية نسبتها صحيفة «النهار» اللبنانية للقيادي في «حزب الله» نواف الموسوي، يقول فيها «بلا لبكي، بلا وجع راس: وقت الجدّ ما فيه غير سلاحك بيحميك».
بروباغندا «حزب الله» باتت من الوضوح بحيث يمكنها أن تعادي فيلماً سينمائياً من دون أي ذريعة أو حاجة لاستخدام اتهامات بالتطبيع مع إسرائيل كما جرت العادة، إنها اليوم في معركة مفتوحة على كل ما لا يستظل بظل الحزب.
لا حجج رقابية هذه المرة، فلبنان الآخر كلّه متهم. إنهم يتقدمون على الأصل الإيراني الذي يحظى بسينما متميزة لها مكانتها في العالم، أم أنهم يؤكدون أن حتى تلك السينما تستمر وتتواصل بقوة الإيرانيين، برغم «ولاية الفقيه».
لو أتيح لهم لصمّموا «مجد لبنان» من شادور وبحيرات الدم والبنادق والقمصان السود و»موتسيكات» تطوف الشوارع، تهدد بالموت وبالرايات الصفر.

حكم ابراهيم عيسى

الإعلامي المصري المعروف ابراهيم عيسى يقول في برنامجه على قناة «الحرة» إنه لم يجد أي حكمة في الصيام، ولم ير فيه إلا أمراً سيادياً ربانياً، وأن على المؤمنين أن يصوموا من غير سؤال، لأنهم عبيد وحسب.
وقال إنه بحث وسأل واستقصى ولم يصل إلى جواب يشرح له حكمة الصيام. بل أكد فوق ذلك أن العلم نسف كل حكمة مزعومة له.
لا ندري من سأل عيسى على وجه الدقة، لكن بحثه ناقص من غير شك، فهناك أرشيف ضخم حول الصيام في مختلف الحضارات والأديان حول العالم، طقوس وطرق مختلفة، في الديانات التوحيدية وفي سواها، وصولاً إلى عيادات الطب البديل التي باتت تداوي الناس بالصيام. هذه ليست خزعبلات، فهناك كتب وأطباء وتجارب تتحدث بإسهاب حول الصيام كعلاج ومصدر لطاقة روحية عظيمة، نتحدث هنا عن مختلف أشكال الصيام، من بينها صيام الماء الذي قد يمتد لأربعين يوماً متواصلة من دون طعام.. والصيام المسيحي، وصولاً إلى الصيام الرمضاني.
لا نناقش الأمر هنا من وجهة دينية، بل نتحدث حول أجوبة وتجارب تمتد لآلاف السنين أثبتت، ليس فقط حكمة الصيام، بل أن الروحانيين والحكماء الكبار لا يدخلون الحكمة إلا بالصيام.
لذلك، أخي الإعلامي، «لو عاوز تاكل ما حدّش حايشك»، إنما هذا الإنكار باسم العلم ببديهية حكمة الصيام يجعلنا ننظر إلى برنامجك الذي يحمل اسم «مختلف عليه» على أنه ليس أكثر من لهاث وراء أي اختلاف.

فراس ابراهيم يعود 

الممثل السوري فراس ابراهيم قال أخيراً في مقابلة تلفزيونية إنه غاب عن الدراما في السنوات الأخيرة لأنه لم يكن قادراً على الفهم، «لأنه هناك شيء غير مفهوم، وواقع أليم أصعب من أني أشتغله في الدراما». ابراهيم تساءل كيف بالإمكان أن يشتغل موضوعات عن الحرب «و صوت المدافع في الأذن»، وأكد في المقابل «وأيضاً صعب تحكي عن مواضيع عادية وكأن شيئاً لم يكن».
لكن فراس ابراهيم عاد، وهذه هي مناسبة المقابلة التي جاءت من موقع تصوير أحد المسلسلات. وهو عاد قبل أن تنتهي الحرب.
لا ندري إن كانت تلك العودة جاءت في إطار الشعور العارم بالنصر في دمشق، ولكن في الواقع هذا بالضبط ما كنا نخشاه، أكثر من خشية أن يتفرغوا للفتك والتنكيل بالناس بعد الحرب: عودة فراس ابراهيم.

استراتيجية التجانس

مع رمضان المسلسلات سنشهد الكثير من الاعتراضات على حكم الرقابة السورية، وقد بدأت بالفعل قبل أن تبدأ العروض. منعت الرقابة عرض مسلسلات، أو رحّلتها إلى أوقات خارج السباق الرمضاني، ولا شك أنها لم تسمح أصلاً بمرور إلا ما يلائم «استراتيجية التجانس». سيثور جدل في كل مرة، مع كل منع، مع كل حذف، ومع كل اعتراض. سيشعر الناس في البلد أن هذا هو المناخ الصحي للجدل والاعتراض والنقاش، سواء أثر الاحتجاج في إيقاف المنع أم لا..
نعرف جميعاً أن المصيبة لم تعد هنا، فهذا الاحتجاج «الدرامي» هو سقف المعارضة المسموح بها، هو نهاية النضال الممكن، متنفسك الوحيد. والضامن لاستمرار التوحش أربعين عاماً أخرى.

 

 

 

 

 

 

 

 

راشد عيسى