اللاجئون السوريون في مواجهة الخيارات الصعبة .. صادق الطائي
تتزايد حملات الدعاية المطالبة بابعاد وإعادة اللاجئين السوريين من مختلف دول أوروبا التي وفرت خلال سنوات المحنة السورية ملجأ آمنا مؤقتا لموجات من الهاربين من جحيم الحرب واضطهاد النظام. لكن مع تصاعد موجات الكراهية في مجتمعات أوروبا باتت العديد من أحزاب اليمين المتشدد تزايد على موضوع إعادة اللاجئين السوريين وتستعملها كورقة ضغط على حكومات بلادها وتبرر ذلك بالقول ان الأوضاع الداخلية السورية باتت اليوم أكثر أمنا وبإمكان طالبي اللجوء العودة إلى مدنهم المحررة من قبضة الإرهاب.
مواقف أوروبية
في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، عجل حزب «الشعب الدنماركي» وهو حزب يميني شعبوي، في مناقشة قانونية إعادة اللاجئين السوريين إلى مدينة الرقة التي تعرضت لتدمير كامل بعد تحريرها من «تنظيم الدولة/داعش»، حيث يرى هذا الحزب الذي يحتل المرتبة الثانية بين الأحزاب الدنماركية المعارضة أنه «حان الوقت للاجئين السوريين القادمين من منطقة الرقة بالعودة إلى ديارهم» حسب ما قاله زعيم الحزب كريستيان ثولسن دال، الذي صرح للإعلام قائلا «لا أفهم لماذا لا يقف السوريون في الدنمارك، كغيرهم من أبناء بلدهم، أمام بيوتهم، وبمساعدة من الدنمارك، للمشاركة في إعادة إعمار بلدهم؟». لذا يسعى اليمين المتشدد الدنماركي من خلال فتح قنوات تفاوض مع النظام السوري من الضغط على سياسات الحكومة، للحصول على تنازلات بشأن ترحيل اللاجئين بدءا بالسوريين الذين تعود أصولهم إلى الرقة، ثم استكمال الطريق لإعادة بقية السوريين الحاصلين على ما يعرف بـ «حماية مؤقتة. أما في اليونان التي طالما اعتبرت العتبة الأوروبية الأولى لموجات اللاجئين المتدفقة عبر حدودها مع تركيا، نجد ان الحكومة اليونانية تسعى لإنتهاج سياسات متشددة تجاه اللاجئين، إذ اتخذت خطوات تخص اللاجئين في أيلول/سبتمبر الماضي، عندما قررت محكمة إدارية – في سابقة خطيرة – ترحيل لاجئين سوريين بشكل إجباري، حيث تأثر أكثر من 750 سوريًا بالحكم الذي أصدرته محكمة «مجلس الدولة» في اثينا والقاضي بإعادتهم إلى تركيا التي عبروا منها إلى اليونان، على اعتبار أنها بلد آمن بالنسبة لهم، وهو ما نفته مجموعات حقوقية أكدت بأن الافتراض خاطئ وسط غياب الضمانات بحصول اللاجئين السوريين على مأوى وعمل في تركيا، واحتمال تعرضهم إلى انتهاكات واستغلال.
الهيئات الإغاثية ومنظمات حقوق اللاجئين تدافع باستماتة عن حقوق اللاجئين السوريين وتتعالى أصوات المنظمات التي تحاول نقل صورة حقيقية للوضع السوري الذي ما زال غير آمن بالنسبة لمئات الآلاف من اللاجئين. فقد شددت هيئة إغاثة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، على أن الوضع لن يتغير كثيرًا في سوريا في عام 2018 إذ إن «جميع المناطق في البلاد هي جزء من مناطق غير آمنة بصفة مباشرة، أو بصفة غير مباشرة نتيجة ظروف الحرب والعنف، وعلى هذا الأساس لا يحق لأي بلد أن يرحل لاجئين ضد إرادتهم إلى هناك». كما سبق ان حذرت منظمة »برو أزيل» الألمانية، التي تعنى بشؤون اللاجئين، من مقترحات تروج بين دوائر صنع القرار في الاتحاد الأوروبي، وتتعلق بإبعاد اللاجئين إلى تركيا بمجرد وصولهم إلى اليونان، معتبرة أن ذلك يضرب حقوق الإنسان في الصميم. وجاء تحذير المنظمة الألمانية نتيجة لتصاعد ضغوط أحزاب اليمين الشعبوي الأوروبي المطالبة بترحيل اللاجئين، كما حصل في ألمانيا، إذ لا يمكن الاستهانة بدعوات حزبي «الاتحاد المسيحي الديمقراطي» برئاسة ميركل، و»الاجتماعي المسيحي البافاري» بزعامة زيهوفر، التي تتعالى مطالبة بترحيل السوريين إلى وطنهم، بل وصل الأمر إلى حد تقدم الحزب اليميني المتطرف «البديل من أجل ألمانيا» بطلب للبرلمان الألماني يدعو فيه الحكومة إلى التفاوض مع النظام السوري حول اتفاقية لإعادة اللاجئين؛ إذ يحاول هذا الحزب عقد اتفاقية مع نظام الأسد من أجل ترتيب إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم مع تأكيده أن الاتفاقية تضمن عدم إلحاق الضرر بهم، وإيوائهم في الأماكن الهادئة في سوريا.
وصرح وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني الذي يتزعم اليمين الشعبوي، بأنه أرسل تعليمات خطية تقضي بتقليص الخدمات المقدمة إلى 136 ألف طالب لجوء تستضيفهم بلاده إلى الحد الأدنى. وأعلنت إيطاليا تقليص حجم الخدمات المقدمة لطالبي اللجوء إلى الحد الأدنى، وكتب وزير الداخلية ماتيو سالفيني «مراقبة أكثر وإنفاق أقل. أخيرا، تتغير الأمور بالنسبة إلى الهجرة كما وعدنا. انتقلنا من الكلام إلى الأفعال».
الخطة الروسية
مع تقدم الجيش السوري في تحقيق السيطرة على مناطق في الجبهة الجنوبية في درعا وريف القنيطرة، ومع توسع مساحات الأراضي التي يستعيدها النظام من فصائل المعارضة المسلحة سواء عبر خوضه معارك عسكرية أو من خلال عقد صفقات الاخلاء لفصائل المعارضة، ومع الإعلان عن احتمالية إطلاق معركة استعادة محافظة إدلب، تتغير الكثير من معطيات معادلة القوى على الأرض. ومع تغير ميزان القوة على الأرض تزامن انطلاق جولات مفاوضات أستانا وجنيف بين النظام السوري وأحزاب المعارضة بوجود الأطراف الضامنة الثلاثة (تركيا وإيران وروسيا) بالإضافة إلى وجود مبعوث الأمم المتحدة دي مستورا.
تزامنا مع التغيرات السياسية والعسكرية في الساحة السورية ابتدأ حراك روسي مكوكي على ما بات يعرف بحل أزمة اللاجئين السوريين مع دول الجوار الإقليمي وحتى مع بعض الدول الأوروبية كألمانيا وفرنسا. فقد أعلنت روسيا عن خطتها لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وهي الخطة التي بدأت الترويج لها بزيارات مسؤولين روس إلى الأردن ولبنان وألمانيا.
وتقضي الخطة بإنشاء مركز يختص بتنسيق عودة اللاجئين السوريين تعمل على تأسيسه وزارتا الدفاع والخارجية الروسيتان على أن تنضم إليه جهات أخرى روسية ودول أجنبية ومنظمات دولية. ومن المقرر أن يقوم المركز – الذي سيكون مقره دمشق – باستقبال اللاجئين السوريين الراغبين في العودة لبلادهم ليتم توزيعهم في الأماكن المصنفة بأنها آمنة في سوريا. وفي هذا الإطار، التقت المستشارة أنغيلا ميركل بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في برلين وناقشا كيفية تهيئة الظروف لإعادة اللاجئين، فيما استقبل رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري القائم بأعمال السفارة الروسية في بيروت لبحث الخطة الروسية.
لكن تبقى صرخات المحتجين ضد هذه الصفقات تتعالى في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وفي محافل منظمات حقوق الإنسان، فبالرغم من انتشار مشاهد الدمار الواسع لعشرات القرى والمدن السورية، إلا أن الخطة الروسية تقضي بإعادة اللاجئين إلى ما قالت إنها مناطق آمنة صالحة للحياة إلى حين الانتهاء من جهود إعادة الإعمار شيئاً فشياً. إن واقع حال السوريين الذين يتواجدون اليوم في الأماكن التي لم تتضرر، هي انهم إما يخافون من السطوة الأمنية للنظام أو أنهم معه قلباً وقالباً وضد باقي اللاجئين، كما تجدر الإشارة إلى ان آثار «الشرخ المجتمعي الهائل في المجتمع السوري» ما تزال واضحة للعيان.
شبكات تهريب الهجرة المعاكسة
لكن مع تزايد ضغوط رفض قرارات لم شمل العوائل التي حصل بعض أفرادها على «الحماية المؤقتة» في دول اللجوء في أوروبا، ظهرت موجة نزوح معاكسة يقوم بها من يأس من الانتظار من اللاجئين، وذلك عبر التهريب على الطريق المعاكس للعودة إلى تركيا من الحدود اليونانية ـ التركية. وغالباً ما يعتمد العائدون على المهربين للعبور من اليونان إلى تركيا عبر نهر إيفروس الذي يفصل بين البلدين، وذلك لصعوبة حصولهم على فيزا لدخول تركيا. إذ يدفع كل فرد بين 150 إلى 200 يورو، مقابل إيصاله من مدينة سالونيك اليونانية إلى وسط اسطنبول، وتجدر الإشارة إلى تغاضي حرس الحدود التركي عن تسلل السوريين عند العودة، لكنه لا يسمح لأحد بالعبور من تركيا إلى اليونان.
أن تعثر أو تعليق قرارات لم الشمل هو السبب الرئيسي الذي يجعل اللاجئين السوريين يعودون إلى تركيا، لكن يجب ان لا ننسى دور البيروقراطية الشديدة، وطبيعة الحياة الاجتماعية في دول اللجوء الأوروبية، والمشاكل التي فرضتها ظروف الغربة على عوائل اللاجئين، مما جعلهم يشعرون بأنهم يعيشون في سجن كبير وهذا الأمر أثر بشكل سلبي على امكانية اندماج اللاجئين في مجتمعاتهم الجديدة وزاد من تعقيد الخيارات الصعبة أمامهم.