نشأ في بيئة عربية وتبلور على إيقاع صراعات سياسية… كيف تشكّل مذهب التشيّع؟
هل من الممكن تتبُّع نشأة التشيع الذي يشكل أحد أهم وأكبر المذاهب والفرق في تاريخ الإسلام الثقافي والسياسي والاجتماعي بحيادية؟ ربما. لكننا بحاجة إلى تنحية التاريخ المكتوب بيد معظم الشيعة والسنّة، لأنه مشبع بروح التعصب. ففي حين حاول البعض تصوير التشيّع كجوهر للرسالة النبوية، سعى البعض الآخر إلى ربطه بمؤامرة.
الأمر الأكيد أن التشيّع نشأ في بيئة إسلامية عربية، وتبلور على إيقاع الأحداث السياسية والاجتماعية التي شهدتها، وليس أدل على ذلك من كونه لم يتسيّد في إيران إلا مع القرن الـ16 الميلادي.
التشيّع جوهر الرسالة النبوية؟
يستعرض الباحث العراقي في الدراسات الشيعية سليم الفهد نشأة التشيّع بقوله إن المؤرخين عندما يحددون فترة نشوئه يتوزّعون على مدى زمني يبدأ مع حياة النبي وينتهي بعد مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب.
وذهب المحققون الشيعة إلى أن التشيّع ظهر أيام النبي، وأنه الأخير هو الذي غرسه في النفوس، عن طريق أحاديثه التي كشفت عمّا لعلي بن أبي طالب من مكانة كبيرة، يضيف الفهد لرصيف22.
ويقدّم كتاب “نشأة التشيّع والشيعة” لمحمد باقر الصدر مثالاً على هذه الرؤية باعتباره أن الشواهد على أن النبي كان يُعِدّ الإمام علي إعداداً رسالياً خاصاً كثيرة جداً، فقد كان النبي يخصه بكثير من مفاهيم الدعوة وحقائقها، ويفتح عينيه على مفاهيم الرسالة ومشاكل الطريق ومناهج العمل، وذلك حتى آخر يوم من حياته.
التفسير التاريخي للتشيّع
في معرض تحليله لتكوين المعارضة ضد عثمان بن عفان، تحدّث محمد عابد الجابري في كتابه “العقل السياسي العربي” عن “جماعة العقيدة” التي ضمّت صحابة ضحّوا في سبيل الدين، وعُرفوا بالمستضعَفين، ولم ينخرطوا في أمور الدنيا، فكانوا أول وأشدّ مَن عارض سياسة عثمان الموالية لبني أمية، والتي ساهمت في نمو ثرواتهم.
أخذت “حركة العقيدة” تتبلور حول علي بن أبي طالب، منذ الشورى التي جاءت بعثمان خليفة، بل منذ سقيفة بني ساعدة، وكان عمار بن ياسر من أبرز قدماء المستضعفين، ومعه أبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي والمقداد بن الأسود، يقول الجابري، مضيفاً أنه يبدو أن جماعة قدماء المستضعَفين من الصحابة كانوا قد تحلقوا حول علي منذ زمن النبي.
ويرى الفهد أن الصراع الطبقي بين المعدَمين، وكلهم ناصروا عليّاً، والميسورين، وكلهم وقفوا ضده، كان له دور في نشوء تشيّع سياسي ملتفّ حول علي منذ فترة حكم عثمان.
وعندما تولّى علي الخلافة، “طبّق ما كان يدعو إليه من مساواة بين الرعية، وسلك مسلك الحاكم الزاهد الذي يضع شؤون الرعية أولاً، بما عزز الالتفاف حوله كمثال إسلامي”، يتابع الفهد.
ويقول أحمد الكاتب في كتابه “التشيع السياسي والتشيع الديني” إنه “لا يوجد خلاف بين المؤرخين على ظهور مصطلح ‘التشيع’ للإمام علي في حياته، سواء في يوم السقيفة حين اعتصم فريق من المهاجرين والأنصار في بيته ورفضوا البيعة لأبي بكر حتى يبايع، أو بعد مقتل عثمان، أو أثناء حرب الجمل، أو بعد عودته من معركة صفين”.
ولكنه يضيف أن “الخلاف هو حول طبيعة التشيّع في الزمن الأول. هل كان سياسياً؟ أم روحياً دينياً؟ وأيهما الأقدم؟”، ويشرح أنه “بينما يقول الشيعة الإمامية إن التشيّع الأول كان ‘دينياً’ بسبب وصية الرسول الأعظم (ص) للإمام علي بن أبي طالب بالإمامة من بعده، يقول المؤرخون الآخرون إنه كان في البداية تشيّعاً ‘سياسياً’ ثم تطور بعد ذلك بعشرات السنين، إلى تشيّع ‘ديني’ (أو عقدي أو روحي)”.
ويُرجع محمد عبد الحي شعبان، صاحب كتاب “صدر الإسلام والدولة الأموية”، تولّد هالة دينية حول شخص علي إلى سلوكه ذاته، فقد كان برأيه يدّعي لنفسه بعض السلطة الدينية لكي يحل القضايا السياسية، وهذا هو أصل نظرة أنصاره الشيعة إليه على أنه الإمام الذي يستخدم معرفته لتحقيق العدالة لكل مسلم.
وعزّزت بعض العوامل المادية التشيّع السياسي في الكوفة والعراق، منها العامل الاقتصادي، إذ ارتسم علي كمثال للعدل في مخيلة الفقراء، وتعزز ذلك لاحقاً مع ظلم بني أمية، و”استئثارهم بمال المسلمين”، يقول سليم الفهد.
عامل آخر هو تحوّل علي إلى رمز لسيادة العراق المفقود لدى قطاع واسع من العراقيين، ومن هنا نشأ تمجيد شخصه وآل بيته، حسبما يوضح المستشرق يوليوس فلهوزن في كتابه “الخوارج والشيعة”.
جغرافياً، كانت الكوفة مركز التشيّع، وشهدت الأحداث المؤثرة في تبلوره. ولما كانت الكوفة وبقية أمصار العراق ملتقى لخليط من الأعراق والعقائد، أدى ذلك إلى حركة فكرية كان عمادها “آل البيت”، فظهرت جماعات دانت بالولاء السياسي لهم، وأخرى أحدثت أفكاراً دينية حولهم، في “ميثولوجيا” لم تظهر بمعزل عن الواقع.
ظهور التشيّع الديني
يؤكد أحمد الكاتب أن التشيّع كان في مبدئه سياسياً، ومتمحوراً حول موالاة آل البيت وإعلاء مكانتهم، وحصر إمامة المسلمين فيهم.
وحتى زمن محمد الباقر، في بداية القرن الثاني الهجري، لم تكن نظرية الإمامة قد تبلورت لدى الشيعة، وكان عامة الشيعة يجهلون قضية “حق” الباقر في الإمامة، ولا يكادون يميّزون بينه وبين سائر أقطاب البيوت الحسنية والحسينية والعلوية والهاشمية الذين كانوا يتنافسون على قيادة الشيعة، يقول الفهد.
ويشير أحمد الكاتب إلى أن عامة الشيعة في زمن الباقر وجعفر الصادق ظلوا متمسكين بالفكر الشيعي الأول، أي “السياسي”. وبرز الإمام زيد بن علي كزعيم يؤمن بالشورى كنظام للحكم في الإسلام، ولم يكن يعرف نظرية “الإمامة الإلهية” (القائمة على العصمة والنص والوراثة في أهل البيت) بل كان يعتقد أن الإمامة تُستحقّ بالمبادرة والكفاءة.
تحوّل السياسي إلى ديني
أما عن كيفية التحوّل من الولاء السياسي إلى نظرية الإمامة في شكلها النهائي مع الشيعة الإمامية، فذلك جرى وفق مراحل متعددة.
يذكر المؤرخون وجود فرق مغالية في نظرتها للأئمة في زمن علي بن أبي طالب، والأمر المؤكد هو تبلور فكر يغالي في نظرته إليهم في زمن المختار بن عبيد الثقفي (ت. 67 هـ) الذي كان علامةً فارقة على نمو وانتشار أفكار هامة منها: المهدي، الوصية، والبداء.
ويرى فلهوزن أن نشوء فكرة الإمامة تعود إلى ادعاء آل البيت الأحقية في وراثة الخلافة عن النبي، بجانب أن المحن التي تعرّضوا لها على يد الأمويين عززت من التفاف الشيعة حولهم، وظهور فرق تغالي فيهم.
فقد أطلق عبد الله بن الحسن بن الحسن (68-143 هـ) لقب “المهدي” على ابنه محمد (النفس الزكية) عند ولادته، وفق الكاتب، وهو أمر يشير إلى المكانة المميزة التي كوّنها آل البيت عن أنفسهم.
أما عن سبب انضمام الموالي للتشيع، فنجد أسباباً دينية واجتماعية، الدينية هي ما يعرضه الكاتب من أن الموالي المتشيّعين في الكوفة، وكانوا من أصول إيرانية، وورثوا عن أسلافهم فكرة عبادة الملوك واتصافهم بصفات الإله، فأخذوا ينظرون إلى “الأئمة” من أهل البيت كما كانوا ينظرون إلى ملوكهم السابقين.
أما السبب الاجتماعي الأساسي، فيذكره عبد الله فياض في كتابه “تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة”، بقوله إن التمييز بحق الموالي دفعهم للانخراط في صفوف المعارضة من خوارج وشيعة، فاستعان بهم المختار بن عبيد وعبد الرحمن بن الأشعث.
ويرى فياض أن للمعتقدات الفارسية المنقولة مع الموالي دور محدود على التنظير الشيعي. وفي ذلك يقول فلهوزن “إن آراء الشيعة كانت تلائم الإيرانيين فهذا أمر لا سبيل إلى الشك فيه، أما كون هذه الآراء قد انبعثت من الإيرانيين، فلا دليل على ذلك، بل إن الأدلة تشير إلى أن التشيّع نشأ في بيئة عربية، وتطوّر مع حوادثها”.
محورية محمد بن الحنفية
أما عن الغلو وأسبابه، فقد وُجد بمعزل عن التشيّع ثم خالطه عند بعض فرق الشيعة. ويفسّر الجابري الغلو في الكوفة بأنه نتيجة للمؤثرات الهرمسية التي انتقلت مع القبائل العربية اليمنية التي سكنت العراق، والتي عرفت نموذج الكاهن المطاع مثل “مسيلمة الحنفي” المتوفي عام 12 هـ.
وعندما قام المختار الثقفي بتجييش الشيعة في الكوفة لصالحه، تقمّص مفهوم “الكائن المُطاع”، الذي كان له حضور بين قبائل اليمن وشرق الجزيرة، مع فارق أنه جعل من ابن الحنفية مظلة يستمد منها شرعية حركته، خصوصاً أمام “أشراف العرب” من الشيعة، الذين لم يقبلوا به إلا لأنه داعية لابن الحنفية، علماً أنه أطلق على الأخير لقب المهدي.
ويُرجع الجابري ميثولوجيا التشيّع إلى محمد بن الحنفية، ويرى أن شعوره بدونية مكانته عن أخويه الحسن والحسين دفعه إلى الانشغال بالعلم لتحقيق ذاته، ولاحقاً أضفى مؤيوده عليه مكانة عالية.
ويوضح الجابري هذا الارتباط بقوله “إن رواية ابن الحنفية للعلم عن أبيه ستتحول إلى وراثة العلم عنه، ولكن لا العلم بمعنى الحديث النبوي وحسب، بل ‘العلم’ بمعنى ‘التأويل’ وبكيفية عامة ‘أسرار العلوم’. وإذن فما سيربط ابن الحنفية بأبيه هو شيء أكثر من البنوة الجسدية أو النسب الروحي. وقد ركز أنصاره على هذا الجانب تركيزاً خاصاً في دعايتهم له حتى اشتهر بذلك وصار الجميع يتحدث عنه بوصفه وارث علوم السر من أبيه، وهذا ما روّجه المختار في الكوفة”.
وبعد أن كانت الأرستقراطية العراقية قد انضمت لعلي، على أساس أنه ممثل أهل العراق جميعهم، وشكّلت جزءاً من التشيّع السياسي، انتقل الأشراف بعد مقتله لتأييد سلطة بني أمية. ومع المختار، انفصلت الشيعة في الكوفة عن الأشراف، واتخذ التشيّع شيئاً فشيئاً صورة فرقة دينية في تعارض مع الأرستقراطية. وبفضل استشهاد زعمائه وأوليائه، صار التشيّع ذا طابع مثالي خيالي، بحسب فلهوزن.
عامل آخر في الغلو في آل البيت هو ما تعرّضوا له من مآسٍ كانت للكوفيين يد فيها، ما ساهم في نمو شعور عام بتأنيب الضمير لديهم، دفعهم إلى التمسك أكثر بآل البيت، والمغالاة في حبهم تعويضاً عن خذلانهم، كما يذكر فلهوزن.
وأهم تلك المآسي إعدام نخبة من الشيعة وعلى رأسهم حجر بن عدي عام 51 هـ على يد الأمويين، ثم خذلان أغلب شيعة الكوفة للحسين، إذ قُتل داعيته مسلم بن عقيل في الكوفة عام 60 هـ، ثم قُتل هو نفسه عام 61 هـ في موقعة كربلاء.
ومن هذا المنطلق، خرج مئات الشيعة للانتقام من الأمويين، في حركة عُرفت باسم “التوابين”، بزعامة سليمان بن صرد، وخاضوا معركة انتحارية ضد جيش أموي كبير عام 65 هـ.
نظرية الإمامة الإلهية
في تتبعه لمراحل تطوّر الفكر الشيعي، يقول أحمد الكاتب إنه “في المرحلة الأولى، يمكننا مشاهدة بذرة ‘الإمامة’ تنمو وسط الجدل الذي دار في تلك الأيام حول شمولية الشريعة الإسلامية لكل شيء في الحياة وتوفيرها لأحكام تفصيلية لكل شيء، أو محدوديتها في مسائل معيّنة وتركها لمسائل أخرى للعقل الإنساني، وهو ما يُعرف بالمسائل المدنية العرفية كموضوع العلاقة بين الحكام والمحكومين وكيفية انتخاب الحاكم، وجواز الاجتهاد والقياس”.
ويضيف أن ذلك الجدل قسّم المسلمين إلى مدرستين هما مدرسة “أهل الحديث” ومدرسة “أهل الرأي”. وحسب الروايات الواردة في التراث الإمامي، فإن الإمام الباقر (وابنه جعفر الصادق) اتخذ موقفاً مضاداً لكلا المدرستين، وأكد في البداية مبدأ شمولية الشريعة الإسلامية لكل شيء في الحياة.
وبرأي الفهد، تبلور التشيّع الروحي مع وفاة الإمام علي بن الحسين، وبروز الخلاف بين الفرعين الحسني والحسيني وأبي هاشم على وراثة النبي وتراثه، وخاض الباقر معركة مريرة لانتزاع قيادة الشيعة من ابن عمه أبي هاشم، وتثبيتها للفرع الفاطمي والبيت الحسيني، واعتبر ادعاء الإمامة دون حق افتراء على الله، حتى وإن كان المدعي من نسل علي بن أبي طالب.
في تلك الظروف المشحونة بالغلو في أهل البيت، والتي كان الغلاة لا يتورّعون فيها عن نسبة النبوة والألوهية للأئمة، وُلد المذهب الإمامي الذي يقول إن الأئمة من أهل البيت مفروضون من الله، ومعيّنون من قبله لإمامة المسلمين، ويشكلون امتداداً للنبوة، ولديهم علم خاص من الله لا يحتاجون معه إلى التعلم والاجتهاد. وينسب الإماميون نظريتهم في “الإمامة الإلهية” إلى الإمامين الباقر (ت. 114 هـ) والصادق (ت. 148 هـ).
وساهمت الظروف التاريخية في تميّز مكانة الباقر لدى الشيعة، والغلو فيه. فمع بداية القرن الهجري الثاني، فقد الشيعة أهم قياداتهم من آل البيت، بوفاة زعيم الحركة الكيسانية القوي أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية سنة 98 هـ، وضعفت القيادات الشيعية الأخرى المنافسة للباقر، إذ كان محمد بن علي بن عباس معتزلاً في الحميمة، وكان عبد الله بن الحسن بن الحسن يُعِدّ ابنه الصغير محمداً (النفس الزكية) للخروج في المستقبل البعيد، وقد لقّبه بالمهدي عند ولادته، وكان عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر (الذي خرج في أصفهان سنة 129) أصغر من أن ينافس الباقر.
في تلك الظروف، التفّت جماهير الشيعة حول الباقر، ومنها جماهير الكيسانية، وهي فرقة دعا أتباعها إلى إمامة محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية بعد مقتل أخيه الحسين وسُمّوا بالكيسانية نسبة إلى الشخصية الغامضة كيسان الذي يُقال إنه مولى لعلي أو صاحب شرطة المختار بن عبيد وإنه اقتبس من علي ومن ابنه محمد الأسرار كلها في علم الباطن وعلم التأويل وعلم الآفاق والأنفس.
ومع انتقال هذه الفرقة المغالية إلى شيعة الباقر، أسقطت نظرياتها عن الإمام عليه، مثل الألوهية والنبوة، كما ذكر أحمد الكاتب في مرجعه.
ويميّز سليم الفهد بين أقوال الإمامية في الباقر، وبين مواقف الباقر نفسه، ويرى أنه لم يتقبّل أية مغالاة بحقه، وإن كان قد شدّد على أحقيته في قيادة الشيعة، وأحقية البيت الحسيني وحده.
إلا أن نسبة فرقة الإمامية إلى جماهير الشيعة حتى ذلك الوقت لم تكن كبيرة. وبعد وفاة الباقر تشرذم الشيعة، وذهب فريق لاتّباع أخيه زيد في ثورته، وفريق قال بإمامة النفس الزكية، وفريق قال بإمامة جعفر الصادق، يتابع الفهد.
ويرى عبد الله فياض أن الشيعة الإمامية، قبيل نهاية القرن الثالث للهجرة، أصبحوا متميّزين عن غيرهم من الشيعة، وأخذوا يخطّئون الفرق الشيعية الأخرى.
ولم يصبح مصطلح الإمامية علماً لفرقة من فرق الشيعة إلا بعد حصول غيبة الإمام الثاني عشر من الأئمة المعصومين، فتلك الغيبة تُعَدّ الأساس الذي بُنيت عليه فرقة الإمامية التي سُمّيت الاثني عشرية، وفق المرجع السابق.
ويعتقد الشيعة الإماميون أن وجود الإمام ضروري لحفظ نظام الكون، وأن الأئمة معصومون من الخطأ والخطيئة والنسيان، وأن الزمان لا يخلو من حجة لله، ويترتب على ذلك أن الإمام الثاني عشر الذي يلقّبونه بـ”صاحب الزمان” غاب عن الأبصار بعد سنة 265 هـ، بأمر من الله، وسيخرج في آخر الزمان بإذن الله، كما ذكر فياض في مرجعه.
ولم ينتشر مذهب الإمامية إلا بعد تبلور نظرية الإمامة والإمامة الاثني عشرية في القرن الخامس الهجري، وخرج المذهب من الكوفة، على يد العرب، إلى مدينة “قم” الإيرانية، ولكنه لم يجد حينذاك تربة خصبة في البلاد الإيرانية.
وبقيت مذاهب شيعية أخرى كالزيدية، وهم الأقرب إلى روح التشيع السياسي، كما بقيت “الإسماعيلية” التي ظهرت من انقسام الإماميين بين موالاة ابني جعفر الصادق: إسماعيل وموسى.
الموالي والتشيّع
يعدّد سليم الفهد أسباب تشيّع الفرس ويقول إن قسماً منهم تشيّع تعاطفاً مع الشيعة، لأنهم كانوا في المعارضة، والفرس كانوا خارج دائرة الحكم، فحدث التقارب بين المضطهَدين، وإن قسماً آخر تشيّع عن طريق اللقاء الثقافي المعمق، لأن الشيعة اضطروا إلى تعميق ثقافتهم، وولوج مختلف ميادين المعرفة للدفاع عن وجودهم، فاستهوت ثقافتهم قطاعاً كبيراً من الفرس.
ويتابع أن قسماً ثالثاً من الفرس دخل التشيّع مع التيار الذي صنعه الحكام الذين أعلنوا ضرورة العدول إلى مذهب الشيعة، وأهمهم الصفويون الذين تبنّت دولتهم المذهب الإمامي الاثني عشري رسمياً حين قامت دولتهم في القرن السادس عشر الميلادي.
وقبل الصفويين، يؤكد أحمد الكاتب أن الفرس كانوا من أهل السنّة والجماعة (حنفيين وشافعيين) في الغالب، ونشأت الحركة العباسية بينهم وترعرعت تحت رعايتهم، وكان معظم فقهاء السنّة وأئمة الحديث منهم في ذلك العهد.
رصيف 22