نظام بشار يعلن وفاة المهجرين قسراً للاستيلاء على إرثهم
غادر بلاده قبل خمس سنوات هرباً من الملاحقة، ووصل أوروبا ناجياً بحياته، ولكنه فوجئ بإعلان وفاته، ليصبح ضحية جديدة لظاهرة حيل الاستيلاء على الإرث في سوريا.
شعر طارق بالاطمئنان أخيراً عندما حصل على حق اللجوء في ألمانيا، وبدأت حياته بالاستقرار نوعاً ما، لكنها لم تسلم من هزات كان أولها وفاة والده -دون تمكنه من رؤيته- ولاحقاً وفاة والدته وأيضاً دونما قدرته على وداعها.
ولكن الأسوأ ما علم به طارق قبل عدة شهور، إذ توفي هو نفسه ولكن ليس في جميع الأماكن، وإنما في سوريا فقط.
الاستيلاء على الإرث في سوريا يتم وفقاً للقانون أحياناً
يتحدث طارق بحرقة عن قصة “إعلان وفاته” من قبل إخوته، إذ أرادوا توزيع التركة التي خلفها لهم والدهم.
وكان وجود طارق في المهجر وعدم قدرته على العودة يمثل حجر عثرة أمام التصرف القانوني في ميراث والدهم في ظل غيابه، فقرروا إنهاء مشكلتهم وأنهوا حياته معها.
ويقول طارق لـ “عربي بوست” عبر السكايب، إنه لم يكن على علم بنية إخوته وتفاصيل القضية التي رفعوها”.
إلى أن اكتشف أن إخوته بعد مرور أربع سنوات على هجرته ادعوا أنه في حكم المفقود.
ولكن كيف أثبتوا وفاته المزعومة؟
ادعى إخوته أنهم لا يملكون أي تواصل معه، واستندوا لإفادات شهود من الحي أكدوا انقطاع أخبار طارق بالفعل منذ ما يزيد عن أربع سنوات، وبذلك أثبت الإخوة وفاة شقيقهم وأخرجوه من التركة.
وطارق هو واحد من آلاف الضحايا الذين يعانون بسبب الوضع الذي أفرزته الأزمة السورية ونتج عنه خلافات تتعلق بتوزيع الإرث.
المشكلة أن هذا التلاعب يجد له سنداً من القانون أحياناً، حسب محام سوري رفض ذكر اسمه.
إذ يقول هذا المحامي لـ “عربي بوست” إن الغائب لـ4 سنوات بفعل الحرب يعتبر متوفياً، وغالباً ما يتم اللجوء للقضاء لإعلان وفاة الغائب، كي يتمكن الورثة من التصرف في أملاكه أو أملاك عائلاتهم.
ويشير إلى أت”الخلافات العائلية بخصوص الإرث زادت بالتأكيد بعد الأزمة.
ويرى أن ازدياد الحاجات المادية للناس، مع فقدانهم لمواردهم المالية نتيجة الحرب دفع البعض للبحث عن دخل جديد، وأخذ حصة إخوتهم من التركة، دون أن ينكر أن هذه الخلافات كانت موجودة قبل الحرب وحتى بين العائلات الغنية.
وكيف يمكن للاجئ أو المهاجر الحفاظ على إرثه؟
يمكن للمسافر أو المهاجر أن يحافظ على إرثه بأن يرسل وكالة (توكيلاً) لأحد ذويه أو لغير ذويه، لمتابعة أموره القانونية بدوائر الدولة، سواء كانت تتعلق بالإرث أو غيره، حسب المحامي الذي رفض ذكر اسمه.
ولكنه يستدرك قائلاً “حتى هذه الوكالات قد تكون أيضاً باباً للتلاعب، لهذا باتت تخضع لتدقيق كبير من قبل الجهات الحكومية، وهي بحاجة لموافقات وتصديق من السفارات السورية، ووزارة الخارجية، من أجل ضبطها قدر الإمكان”.
ويضيف قائلاً: “كما أن أرشفة الوكالات (التوكيلات) عند الكاتب بالعدل (يقوم بمهمة التوثيق) قد تحد من فرص التلاعب”.
وأوضح أن هذا الإجراء بدأ بعام 2014 وتم تخصيص مكتب بوزارة العدل لأرشفة الوكالات.
وأضاف: “إن القانون اجتهد كثيراً ولا يزال، لمتابعة حالات التلاعب”.
ويختتم بالقول “رغم أن البعض يتذمر من الإجراءات الجديدة ويعتبرها روتيناً حكومياً المقصود منه المضايقة، لكن من يتابع عن قرب الحالات يقتنع بضرورة هذه الإجراءات”.
ولكن المشكلة لا تقتصر على اللاجئين والمهاجرين
الاستيلاء على الإرث في سوريا ظاهرة تضرر منها أيضاً أشخاص مقيمون داخل البلاد.
ويرى المحامي أحمد الحسين، أنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل تزوير حصر الإرث، لأن عملية الحصر تكون بناء على بيانات موثقة صادرة عن سجلات النفوس.
وأضاف الحسين أن التلاعب قد يحدث ببيانات النفوس، كأن يُحضر أحد الورثة قيداً مزوراً، لكنه يستدرك بأن الأمر صعب للغاية، فهذه الأوراق مزودة بـ “باركوود” (مشفرة)، ويجب أن يُكتب عليها بأنها صالحة لحصر الإرث، وأن تصدر عن “خانة” الورثة.
وهناك ثغرة بالنسبة للفلسطينيين المقيمين بسوريا
ولكن توجد ثغرة بالنسبة للفلسطينيين السوريين، حسب الحسين.
والسبب أن لهم سجلات خاصة بهم، مختلفة عن سجلات السوريين.
ويستشهد بقضية عمل عليها، لورثة سيدة سورية تزوجت من فلسطيني وأنجبت منه ولداً، ثم تزوجت بعد وفاته من شخص سوري، وأنجبت منه ولداً أيضاً، وبعد فترة توفيت وتوفي ابنها من الزوج الفلسطيني الأول.
وبالتالي صار عندها أحفاد فلسطينيون وابن سوري.
فقام ابنها السوري باحضار أوراق من السجلات، وأغفل بيانات السجلات الفلسطينية، ثم أجرى حصر الإرث على أنه الوريث الوحيد.
ويقول المحامي “إنه حينما لجأت له زوجة الابن المتوفى، قام بإحضار بيانات كاملة وألغى الحصر الأول، ثم أجرى حصراً ثانياً منع بذلك العم من الانفراد بالتركة”.
وظهرت مشكلة أخطر.. وفيات جماعية لأسر بأكملها واحتراق للمستندات
وهناك مشكلة أكبر أفرزتها الأزمة، تتمثل في الوفيات الجماعية، وخاصة في المناطق الساخنة، حسبما يقول حسين.
إذ إن حصر الإرث يجب أن يثبت وفاة كل شخص له نصيب في التركة.
ولكن مع تطور الأزمة السورية، ظهرت مشكلة عدم القدرة على إثبات الوفاة، خاصة أن بعض العائلات توفي أفرادها بشكل جماعي.
وكانت هناك صعوبة في معرفة من توفي قبل من، كما كان من الصعب في كثير من الأحيان إثبات حالة الوفاة، خاصة بعد مضي عدة سنوات.
“ولتسيير الأمور تم الاعتماد على السمع أو الشهود، وأحياناً على صورة الجثة، حسبما يقول المحامي السوري.
وبقيت الأم هي الوريثة الوحيدة لهم، فاستعانت بالمحامي للعمل على إثبات حالات الوفاة هذه، واستغرق العمل حوالي ستة أشهر.
والبعض يلجأ لما هو أسوأ.. استغلال الوالدين
نعم، حالات التلاعب بالعقارات وسرقة الإرث ازدادت، كما قالت المحامية رحاب حسن.
وتشير إلى تفاقم الظاهرة، خاصة بعد فقدان السجلات الرسمية، فكثير من الناس تركوا وثائقهم في بيوتهم حينما نزحوا، وما زاد سوء الوضع بالنسبة للبعض أن السجلات العقارية احترقت في المناطق الساخنة، وبالتالي فقدوا قدرتهم على إثبات ملكيتهم للعقار.
وعن أبرز أساليب وحيل الاستيلاء على الإرث في سوريا تقول رحاب حسن، إن البعض يستغل مرض الأب أو الأم ورعايتهم لهم، فيجعلونهم يبصمون على أوراق تنازل عن أملاكهم، ويحرم بقية إخوته من الإرث.
وأوضحت أنه يمكن الاعتراض على هذا الإجراء، وخاصة في حال كان الأب مريضاً.
وتتحدث عن قضية تابعتها لأحد الورثة، وقدمت إثباتاً بأن ورقة التنازل التي وقعها الأب تمت خلال مرضه “مرض الموت”، وأحضرت تقريراً طبياً وشهوداً أثبتوا كلامها، وبعد جهد استمر لعامين كسبوا القضية.
وكأنه لا يكفي السوريين ما خلفته الأزمة ببلادهم من مآسٍ وتشريد، ولكن تأتي حيل الاستيلاء على الإرث في سوريا لتضيف لهمومهم هماً جديداً، بات يحتاج إلى علاج جذري.
عربي بوست