«لا تراهن ضد شركة Apple». كان هذا اعتقادي الراسخ عندما يسألني شخص ما عن مستقبل شركة Apple باعتبارها إحدى الشركات الرائدة في السوق، أو عن نجاح أي جهاز iPhone جديد. إذا لم يبهرك أداء الشركة في هذا الربع من العام، فعلى الأرجح سيتمكن من ذلك في الربع التالي.

ومع ذلك، يبدو جلياً أن الرياح تجري بما لا تشتهيه أجهزة iPhone، مع تزايدالمخاوف بشأن أرقام المبيعات، وانخفاض الطلب العالمي على الهواتف الذكية بشكل عام، وانتشار الشائعات بأن شركة Apple لن تُقدم على المجازفة بطرح هواتف تتوافق مع الجيل الخامس لعام آخر، وقرار الشركة المذهل بالتوقف عن الكشف عن مبيعات الأجهزة التي تعمل بنظام التشغيل iOS وأجهزة ماكينتوش Macs في تقاريرها المالية.

من الغباء أن تشكك في الآفاق المستقبلية لشركة Apple، لكن مكانة أكثر منتجاتها انتشاراً، بدأت تتغير بعد سنوات عديدة.

لا يخفى على أحد أن الكثير من النجاحات التي حققتها شركة Apple مؤخراً ترجع في مجملها إلى أجهزة iPhone التي بدأ إنتاجها منذ 11 عاماً وحتى الآن.

بدأ مسار مبيعاتها الصاروخي يتصاعد بالفعل في عام 2009، بعد أن طرحت شركة Apple متجر التطبيقات App Store، وهو عبارة عن منصة حولت أجهزة iPhone من مجرد جهاز جميل لا فائدة منه إلى جهاز جيب مفيد حقاً. وعلى مدى العِقْد التالي، ساهمت تلك الأجهزة في تغيير نظرتنا من العالم الواسع المحيط بنا إلى الأجهزة التي بين أيدينا.

عاماً تلو آخر، ارتفعت مبيعات iPhone بعشرات الملايين، وحققت أرقاماً قياسية خلال الأشهر التي تلي موسم العطلات. عند النظر إليها بمعزل عن غيرها من الشركات، من السهل أن تعتقد أن شركة Apple تهيمن على السوق، خاصةً إذا أمضيت معظم وقتك في الولايات المتحدة، حيث يتمتع iPhone بحصة سوقية تصل إلى 39 % بالمقارنة مع أقرب منافس له، مثل أجهزة Samsung، التي تستحوذ على حصة سوقية تقدر بنحو 25 % من السوق الأميركية. أما في السوق العالمية، تخلفت شركة Apple عن شركتي Samsung وHuawei.

من الواضح أن شركة Apple وأجهزة iPhone ليست بمنأى عن القوى الأكبر التي تتحكم في سوق الهواتف الذكية. فقد تباطأ نمو مبيعات الهواتف الذكية على مدى السنوات القليلة الماضية، وقد تعاني تراجعاً بسبب تشبع السوق.

أوضح تونغ نغوين، أحد كبار المحللين الرئيسيين في شركة Gartner، عبر البريد الإلكتروني، أنه على الرغم من وجود أدلة تُشير إلى تباطؤ سوق الهاتف لبعض الوقت، فإن مكانة شركة Apple باعتبارها إحدى العلامات التجارية عالية الجودة، بالإضافة إلى الشهرة العامة التي اكتسبتها أجهزة iPhone، ربما ساهمت في حمايتها قليلاً.

وأضاف قائلاً «واجه منافسو شركة Apple تلك التحديات بدرجة أكبر نظراً لانخراطهم الأوسع في السوق».

لكن شركة Apple شهدت تراجعاً تدريجياً، الأمر الذي بدا واضحاً للغاية في مبيعات أجهزة iPhone الجديدة.

من الصعب أن تكون مميزاً عندما تُجمع صناعة الهواتف بالكامل على عدد قليل من الخصائص التي يقوم عليها تصميم الهواتف الذكية. إذ يُمكن أن تجد الشاشات ذات الحواف الصغيرة التي تغطي مساحة الهاتف بالكامل، والتي تضم العديد من الكاميرات في الأمام والخلف، في معظم الأجهزة المطروحة في الأسواق. والأدهى من ذلك أن جهاز OnePlus 6 الذي يصل سعره إلى 549 دولاراً يشبه من الأمام إلى حد كبير جهاز iPhone XS Max الذي يصل سعره إلى 1,199 دولار. بل وحتى هاتف Palm Phone الصغير ليس سوى نسخة مقلدة من تصميم جهاز iPhone X.

ومن الأمور التي تستحق عليها أجهزة iPhone الثناء والاحترام، أن تصميمها ليس هو فقط ما يميزها على غرار العديد من الأجهزة ذات الحواف الصغيرة: بل إن أداءها متفرد أيضاً. إذ تستخدم الشركة مكونات مصممة خصيصاً لزيادة كفاءة المعالج والكاميرا والأمان. ومع ذلك، قد تفقد آبل الصدارة في سوق مكونات الأجهزة، إذ يخطط فيه المنافسون لعمليات تحديث رئيسة لوحدة المعالجة المركزية لأجهزتهم، والاستعداد لإطلاق أجهزة تتوافق مع شبكات الجيل الخامس 5G.

قد تحافظ شركة Apple على صدارتها من حيث الأداء الأولي في عام 2019، وذلك بسبب تفردها في طرح أحدث شرائح المعالجة A13 Bionic على سبيل المثال. ولكن، إذا صحت الشائعات التي تُشير إلى نية الشركة عدم طرح أجهزة متوافقة مع شبكات الجيل الخامس 5G على الأقل حتى عام 2020، سيؤدي ذلك بالتأكيد إلى تراجعها.

ومن غير المحتمل أن تستمر شركة Apple في طرح أجهزتها المستقبلية بأسعار أعلى من القيمة العادية، إذا سبقها غالبية مصنعي الهواتف بعام كامل في طرح أجهزة متوافقة مع أسرع تكنولوجيا اتصالات الهواتف المحمولة.

إذا كان المستهلكون، كما يعتقد نغوين، يشعرون بالاستياء بالفعل من أسعار منتجات Apple المرتفعة مقابل الحصول على تحديثات تدريجية، فكيف سيشعرون بذلك على مدار عام كامل، عندما تكون شركة Apple الشركة الوحيدة المصنعة لأجهزة الهواتف الذكية التي لا تدعم شبكات الجيل الخامس 5G؟ من المؤكد أن البنية التحتية الضرورية لشبكات الجيل الخامس 5G  لن تكون جاهزة لتغطية معظم السوق الأميركي خلال عام 2019، ومن الجدير بالذكر أنه قبل أكثر من سبع سنوات، اتبعت شركة Apple  نفس النهج البطيء مع شبكات الجيل الرابع 4G.

في عام 2011، كانت لا تزال هناك تساؤلات عن أيٍّ من أنواع شبكات الجيل الرابع 4G سيصمد مع الوقت، واتسمت التغطية في معظم أرجاء الولايات المتّحدة بالضعف نسبياً. ومع استحواذ شركة Apple على نسبة وصلت إلى 35 % من الحصة السوقية في الولايات المتحدة عام 2011 (في الوقت الذي أمتلك فيه 85 % من الأميركيين هواتف محمولة)، كان بإمكانها تحمل تكلفة الانتظار، وعدم اللحاق بركب شبكات الجيل الرابع 4G التي لم تكن قد خضعت للاختبار بعد.

فقد كانت القفزة من صناعة هواتف لا تحتوي سوى على الخصائص الأساسيّة إلى أجهزة iPhone التي تعمل باللمس بالكامل وتغطي شاشتها مقدمة الهاتف كلها تقريباً، بالإضافة إلى عالم التطبيقات الترفيهية التي قدمته الشركة، كافياً لمعظم المستخدمين ليقدموا على شراء هذه الهواتف المميزة. أما اليوم وقد وصلت نسبة امتلاك الهواتف الذكيّة في الولايات المتحدة إلى 95 %. لن يفي مجرد طرح شاشة برّاقة أخرى بالغرض.

إضافة إلى ذلك، يبدو أنّ قدرة Apple التي تشبه التيفلون على مقاومة انكماشات سوق الهواتف الذكية تضعُف تدريجياً. فقد أدى صدور تقارير تفيد بضعف الطلب على جميع هواتفها الجديدة، إلى تعثّر الشركة لأسابيع؛ وزاد على ذلك شائعاتٌ عن أنّ Apple تسعى إلى تقليل البيع عبر موزعين خارجيّين.

حاولت Apple تفنيد بعض هذه الشائعات والردّ عليها، زاعمةً أنّ جهاز iPhone XR أصبح الآن أكثر الطرازات مبيعاً في الشركة. إلّا أنّه سرعان ما قوّضت Apple حجّتها، إثر قيامها، لأوّل مرة حسبما أذكر، بتقديم تخفيضات كبيرة على أحد هواتفها الجديدة.

نجحت Apple مسبقاً في التغلب على عاصفةٍ مماثلة من الخوف وانعدام اليقين والشك، لكن نادراً ما كان لمثل هذه الشائعات الطاحنة تأثير على سعر أسهم الشركة في الأسواق الماليّة مثل الذي تمر به الآن، فقد شهد سعر سهمها انحداراً غير مسبوقبقيمة 60 نقطة تقريباً منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

قد يكون هؤلاء المستثمرون المتقلبون على خطأ. فما زالت Apple تبيع الملايين من أجهزة iPhone. وعادةً ما أتريث قبل وصولي إلى أي استنتاج، حتى إصدار تقرير أرباح ما بعد العطلة السنوية، حينها تقضي -بلا شكّ- أرقامُ الإقبال الكبير على تلك الشائعات والمخاوف.

لكن ذلك لن يكون ممكناً في عام 2019. مثلما أشرنا، فقد أعلنت Apple خلال مؤتمرها الأخير لإعلان الأرباح أنها لن تعلن بعد الآن عن تفاصيل مبيعات وحدات iPhone أو iPad أو أجهزة حواسيب Mac. أما وقد تقلّصت مبيعات أجهزة Mac وiPad بالفعل منذ سنوات، فإن مبيعات iPhone عادةً ما تكون لها الصدارة في نجاح Apple.

قدّم لوكا مايستري، المدير المالي لشركة Apple خلال مؤتمر إعلان الأرباح، مبرّراً مقنعاً لهذا التغيير، قائلاً:

ليس بالضرورة أن يكون عدد الوحدات المباعة خلال مدة 3 شهور مؤشراً على قوة أعمالنا. إضافةً إلى ذلك، لم تعد اليوم مبيعات الوحدات بذات الأهمية التي كانت عليها في الماضي، نظراً لاتساع مجالاتنا الاستثماريّة، وتفاوت أسعار المبيعات الأوسع نطاقاً ضمن أيّ خط إنتاج معيّن.

إنّه على حقّ. إذ لم تُقسم أبداً مبيعات وحدات iPhone حسب الطراز، والآن هناك سبعة طرازات يُمكن الاختيار من بينهم. عندما تُصرح Apple أنها باعت 45 مليون جهاز iPhone، فليس لدينا أدنى فكرة أيّ طراز تكون له الصدارة في حجم المبيعات، رغم أن Apple توضح لنا ذلك في بعض الأحيان. إضافةً إلى ذلك، فإنّ إيقاع إصدار المنتجات -وخاصة إصدار منتجات iPhone- يعني أنّه لا مفر من انخفاض الأرباح ربع السنوية بين الإصدارات الجديدة؛ ولكنه بالكاد يعتبر مؤشراً على الأداء على المدى الطويل. ومع ذلك، لا يزال انعدام الشفافية يُمثل مصدراً للقلق.

قال نغوين إنّه «من المثير للريبة بالطبع أن يحجم الباعة عن الإفصاح عن أرقام المبيعات، خاصةً إذا كان ذلك في بيئة أسواق تزداد صعوبة على الدوام“.

أعتقد أنّ قرار Apple التوقفَ عن إصدار تقارير عن مبيعات وحدات iPhone هو محاولة لصرف الأنظار بعيداً عن أجهزة iPhone. وهو أيضاً اعتراف بأنّ مبيعات iPhone ستتراجع مع مرور الوقت، بل حتّى ستتضاءل، في الوقت الذي بدأت تحلّ محلّها قطاعات أخرى، مثل صناعة الخدمات. وتشمل الخدمات التي تقدمها Apple الآن اشتراكات iCloud، وكذلك Apple Music وApple Store وغيرها.

دافع تيم كوك، المدير التنفيذي لشركة Apple في نفس مؤتمر إعلان الأرباح، عن القرار، قائلاً إنّ القاعدة الثابتة -أي عدد الأشخاص الذين يمتلكون أجهزة تعمل بنظام تشغيل iOS- تنمو بمعدّل عشري. وإن ازدياد عدد مستخدمي نظام iOS يعني المزيد من العملاء لخدمات Apple، لكنه لا يعني بالضرورة المزيد من مبيعات iPhone. يقول بعض المحللين من Bank of America إنّ النموّ في عدد المستخدمين ناتجٌ عن مبيعات أجهزة iPhone المستعملة.

قد لا يعني إخفاء مبيعات أجهزة iPhone بالضرورة أنّنا وصلنا إلى نهاية الابتكار في هذه الأجهزة، وإن كانت التغييرات الأخيرة التي شهدتها مجرد تغييرات في المقاييس والأرقام، مثل شاشة أكبر على سبيل المثال. مع ذلك، لا تزال Apple تتقاضى أموالاً طائلة مقابل هواتفها الرائدة. إنّها استراتيجيّة ماكرة. فحتّى مع تراجع مبيعات الوحدات، ما زالت أرقام الأرباح تبدو جيّدة، إن لم تكن أفضل.

تبدو خارطة طريق Apple لأجهزة iPhone شبيهة كثيراً بمستقبل جميع الهواتف الذكية: ألواح جميلة وذكية، وما يميزها فقط عن غيرها من الأجهزة الأخرى هو خدماتها وشعار الشركة. ربّما يكون ذلك نذيراً بنهاية عهدٍ ما، لكن بالتأكيد ليس نهاية الهاتف المتميّز iPhone.