كوفيد 19 ليس مجرد وباء عادي بل هو وباء مركب
أصبحت تدابير منع انتشار فيروس كورونا، في الأشهر الأخيرة، أكثر حزماً في بعض أجزاء العالم وأكثر مرونة في بعضها الآخر، وذلك تماشيا مع ارتفاع أعداد حالات الإصابة أو انخفاضها في كل بلد.
وفي الوقت الذي أمرت فيه دول أوربية بتقييد الأنشطة والتجمعات الاجتماعية مرة أخرى، وصل معدل الإصابات في نيوزيلندا، على سبيل المثال، إلى أدنى مستوى له.
لكن هذه الاستراتيجية، في رأي العديد من علماء الصحة وخبراءها، محدودة جداً ولا يُمكتها إيقاف تقدم الوباء أو انتشاره.
وفي الآونة الأخيرة، كتب رئيس تحرير المجلة العلمية ” The Lancet “، ريتشارد هورتون: “لقد ركزت جميع تدخلاتنا على طرق منع انتقال العدوى من أجل السيطرة على العوامل المسببة لكوفيد 19 لكنه، في الحقيقة، ليس وباءً يعمل بمعزل عن غيره، بل هو وباء مركب”.
ما هو الوباء المركب؟
بالنسبة لغير العلماء، قد لا تعني عبارة “الوباء المركب” الكثير، لكنها في الحقيقة تعني أن كوفيد 19 ليس وباء منفصلا ومعزولا.
فمن جهة، يوجد “فيروس سارس، كوفيد 2″ المسبب لكوفيد 19، ومن ناحية أخرى، توجد سلسلة من الأمراض الموجودة مسبقاً.
ويتفاعل هذان العنصران بشكل غير متساو عندما نتحدث عن فئات إجتماعية أكثر عرضة للإصابة، وقد سبق للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أن أكد في وقت سابق من هذا العام أن آثار الفيروس تستهدف العمال الفقراء والنساء والأطفال وذوي الإعاقات وغيرهم من الفئات المهمشة”.
معادلة صعبة
“الوباء المركب” ليس بمصطلح جديد. بل وضعه عالم الأنثروبولوجيا الطبي الأمريكي، ميريل سينغر، في تسعينيات القرن الماضي، لشرح الحالة التي “يتفاعل فيها مرَضان أو أكثر بطريقة تسبب ضرراً أكبر من ضرر مجرد اتحادهما”.
وقال سينغر لبي بي سي: “إن ما يسهل تفاعل الأمراض بعضها ببعض هي الظروف الاجتماعية والبيئية التي تجمع الأمراض بطريقة ما أو تجعل السكان أكثر عرضة للتأثر بها”.
وظهر مفهوم الوباء المركب عندما كان هذا العالم وزملاؤه يبحثون في حالات تعاطي المخدرات في أوساط الفئات الاجتماعية ذوات الدخل الضعيف في الولايات المتحدة، منذ أكثر من عقدين. فوجدوا أن العديد ممن يتعاطون المخدرات عن طريق الحقن، يعانون من أمراض أخرى مثل السل والأمراض المعدية جنسياً.
واستغرب الباحثون من كيفية تعايش كل هذه الأمراض في جسد واحد، وخلصوا إلى أن هذا المزيج، في بعض الحالات، يفاقم سوء الحالة الصحية للمريض.
تأثير البيئة الاجتماعية والاقتصادية
تشير تيفاني كيني، وهي باحثة في جامعة لافال في كندا، إلى أن أمراضا كالسكري أو البدانة – وهي أمراض في حكم الخطيرة لدى من يصاب بكورونا – تنتشر بكثرة بين أصحاب الدخل المنخفض.
لكن أليس هذا هو الحال بالنسبة لمعظم الأمراض؟ ألا يوجد عادة تأثير أكبر على الفئات التي لا تستطيع الحصول على ما يكفي من جودة الخدمات الصحية والتعليمية والغذائية؟
ألا تتطور هذه الأمراض عندما تتحد مع مرض آخر أو مع حالة طبية كامنة؟
ليس بالضرورة بحسب كيني، التي تقول: “إن هناك أدلة متزايدة على أن الإنفلونزا ونزلات البرد هما وباءان مضادّان”. “أي أن الوضع لا يزداد سوءاً، فإذا أصيب شخص بالفيروسين كليهما، لا يتطور أحد المرضين”.
وبتحليل الحالة من خلال عدسة الوباء المركب، توضح تيفاني كيني، أنه “يمكننا الانتقال من الرؤية الكلاسيكية لكورونا وخطر عدواها إلى الوبائي الكلاسيكي فيما يتعلق بخطر العدوى إلى رؤية الشخص في سياقه الاجتماعي”.
إنه موقف يشاركه العديد من الخبراء الذين يعتقدون أنه من أجل إبطاء تقدم فيروس كورونا وتأثيره، من الضروري الانتباه إلى الظروف الاجتماعية التي تجعل مجموعات معينة أكثر عرضة للإصابة بالمرض مقارنة بغيرها.
ويقول ميريل سينغر: “إذا كنا حقاً نريد إنهاء هذا الوباء الذي كانت آثاره مدمرة على الناس والصحة والاقتصاد، أو نريد إنهاء الأوبئة المستقبلية من الأمراض المعدية، فإن الدرس هو أنه يتعين علينا معالجة الظروف الأساسية التي تجعل هذا انتشار الوباء ممكناً”.
ويضيف: “علينا معالجة العوامل البنيوية المؤدية إلى صعوبة حصول الفقراء على الخدمات الصحية أو تناول غذاء كافٍ”.
ويعتقد سينغر أن تغيير الاستراتيجية أمر ضروري لمواجهة الأوبئة في المستقبل.
“ستحدث الأوبئة باستمرار في الوقت الذي نستمر نحن في الاعتداء على بيئات الحياة البرية، أو التسبب في تغير المناخ واستهداف الغابات”. ويوافقه الرأي ريتشارد هورتون، محرر المجلة العلمية ذا لانسيت “The Lancet”.
وكتب هورتون: “بغض النظر عن مدى فعالية العلاج أو مدى قدرة اللقاح على تأمين الحماية، فإن البحث عن حل طبي حيوي بحت لمعالجة كوفيد 19، سيبوء بالإخفاق”.
ويضيف: “ما لم تضع الحكومات سياسات وبرامج لعكس الفوارق العميقة، فلن تكون مجتمعاتنا آمنة حقاً من هذا الوباء”.