إن الانتخابات أمر لا معنى له في بلد تحكمه الديكتاتورية، نظرًا لأنه لا توجد حرية وديمقراطية في ذلك البلد. وإيران هي إحدى هذه الدول. إذ حكم إيران خلال الـ 42 عامًا الماضية، نظام تنحصر ثقافته وأداؤه في القمع والقتل والنهب. وهذا هو السبب في أن الموقف الرسمي للقوى الثورية والمحبة للحرية في هذا البلد من انتخابات هذا النظام الفاشي المزورة هو “المقاطعة”.

المواطنون يطوقون الديكتاتورية

واجهت مسرحية انتخاب نظام الملالي الحاكم هذا العام مقاطعة عامة من جانب الإيرانيين، نظرًا لأن المعادلات السياسية في إيران آخذة في التغيير. والجدير بالذكر أن هذا الوضع لم يحدث ببساطة. ففي السنوات الأخيرة، ولا سيما في نوفمبر 2019 اندلعت انتفاضة شعبية هزت كيان نظام الملالي. والدليل على ذلك هو قيام الولي الفقيه الحاكم بإجراء جنوني يتمثل في الأمر بقطع الإنترنت وقتل المتظاهرين ردًا على هذه الانتفاضة. وقتلت القوات الحكومية أكثر من 1500 متظاهر. وكان شعار ومطلب المواطنين الرئيسي في هذه الانتفاضة هو الإطاحة بنظام الملالي برمته، حيث رفعوا شعار “لقد انتهت اللعبه يا أيها الإصلاحي ويا أيها الأصولي” . وكان التأكيد على رفض الديكتاتورية السابقة (ديكتاتورية محمدرضا شاه) من بين الشعارات الأخرى، وتطويق الإيرانيين لأي نوع من الديكتاتوريات في بلادهم. ويدل هذان الشعاران الأساسيان على نضج الوعي العام ووصول نظام الملالي إلى مرحلته النهائية، ألا وهي الإطاحة بنظام الديكتاتورية الدينية برمته ورفض أي نوع من الديكتاتوريات في إيران.

وينطبق هذا التطور تمامًا مع منطق واستراتيجية المقاومة الإيرانية المتمثل في رفض الشاه ورفض الشيخ. وتعتبر هذه الاستراتيجية تطويقًا أساسيًا للديكتاتورية في المشهد السياسي الإيراني. وأصبحت الإطاحة بالديكتاتور الحاكم في السنوات الأخيرة هي المطلب الرئيسي للإيرانيين. وارتدت مجموعة من المدعين كذبًا وبهتانًا معارضتهم للنظام الديكتاتوري الحاكم رداء الشعبوية وتظاهروا كذبًا بتآلفهم مع الشعب، بيد أنهم في الواقع متآلفين مع الديكتاتورية قلبًا وقالبا وهدفهم الرئيسي هو إرباك المشهد السياسي الإيراني.

ولي فقيه نظام الملالي وسياسة الانكماش

هذا ويبعث قرار على خامنئي، الولي الفقيه الحاكم بتوحيد نظامه الفاشي والسعي إلى تشكيل حكومة إسلامية فتية، والإعلان عن أن المجرم قاسم سليماني مثال يحتذى به، في مثل هذه الأجواء من نضج نضال الإيرانيين؛ برسالتين واضحتين، هما: “ضعف نظام الملالي وضعضعته بشكل مفرط” و ” إصرار الولي الفقيه على تكثيف القمع والانكماش ما أمكن”. ولذلك، كان تعيين الجلاد إبراهيم رئيسي قبل فترة طويلة من إجراء مسرحية الانتخابات في 18 يونيو 2021 أمرًا واضحًا وضوح النهار، وكانت المقاومة الإيرانية قد أعلنت عن ذلك.

إن أي شخص لديه القليل من المعرفة بالديكتاتورية الدينية الحاكمة في إيران لا يشك في أن علي خامنئي مجبر على اختيار إبراهيم رئيسي، على الرغم من إدراكه لعواقب مثل هذا القرار. ولم يعد ولي فقيه الملالي يقبل في ضوء الظروف الجديدة التي طرأت على المشهد السياسي الإيراني حتى عناصره القديمة، ومن بينهم علي لاريجاني (الرئيس السابق لمجلس شورى الملالي)، ومحمود أحمدي نجاد (الرئيس السابق لجمهورية نظام الملالي)، وما يسمى بالعناصر الإصلاحية (من أمثال حسن روحاني، ومحمد خاتمي، وغيرهم). والحقيقة هي أن خامنئي في حاجة ماسة لأشخاص سفاحين من أمثال إبراهيم رئيسي الملطخة يديه حتى مرفقيه بدماء أبناء الوطن والسجناء السياسيين من أجل المحافظة على بقاء نظام ديكتاتوريته. فما هو السبب في ذلك؟

صورٌ عجيبةٌ من استثمار الإطاحة بنظام الملالي

نجد عشية هذا الاتجاه الذي نشهده أن محمد جواد ظريف (وزير الخارجية في حكومة المعمم المحتال حسن روحاني) يسجل شريطًا لاستثمار عملية ما بعد الإطاحة بدكتاتورية ولاية الفقيه وينشره. كما نشهد تصريحات غير مسبوقة للحرسي محمود أحمدي نجاد (الرئيس السابق لجمهورية نظام الملالي) لم يسبق لها مثيل قبل ظهور هذه الظروف، … إلخ. ومن ثم، من الممكن أن تكون مثل هذه التصرفات والتصريحات التي هي مجرد فتح حساب لما يطرأ من ظروف بعد الإطاحة بهذا النظام الفاشي؛ علامات على المرحلة النهائية للديكتاتورية الحاكمة في إيران.

الرسالة الواضحة لتولي إبراهيم رئيسي للسلطة

إن إبراهيم رئيسي هو الشخص الذي غرق في الخوف من تنصيبه رئيسًا للجمهورية حتى داخل سلطة ولاية الفقيه، بسبب ماضيه الإجرامي في السجل المشؤوم لهذا النظام الفاشي، وخاصة قتل المعارضين بشكل عام، وقتل أكثر من 30,000 سجين سياسي في عام 1988 بشكل خاص. ويتشرف حسن روحاني بتقبيل أقدام خامنئي، وينسحب مرشحي الولي الفقيه المؤهلين واحدًا تلو الآخر، وهم الذين ظلوا يتصدرون مشهد مسرحية الانتخابات حتى اليوم الأخير ويلتزمون بالخضوع للجلاد رئيسي. ولكن هل هؤلاء يكفون من وجهة نظر خامنئي ورئيسي؟ يجب أن نذكر أنه تم إعدام العديد من عناصر نظام الملالي نفسه بطرق مافيوزية.

خامنئي ليس خميني ولكن

على الرغم من أن خامنئي ليس خميني ولا يمكن أن يكون خمينيًا، إلا أنه يتصرف مثله في اللحظات التاريخية الحساسة.

أدرك خميني الإطاحة بنظامه في نهاية يونيو 1981، وأصدر الأوامر بقتل 500,000 متظاهر خرجوا إلى الشوارع تلبية لدعوة منظمة مجاهدي خلق الإيرانية. وعندما أدرك خميني بعد سبع سنوات، أثناء إحياءً ذكرى هذه المظاهرات، أنه على بعد خطوة واحدة من الإطاحة به في عملية جيش التحرير الوطني التاريخية في منطقة مهران؛ خضع مباشرة وبشكل مفاجئ لتجرع كأس سم وقف إطلاق النار مع العراق، ووافق على قرار الأمم المتحدة 598 لينقذ نظامه من الإطاحة.

وامتدادًا لهذه السياسة قرر خامنئي في السنوات الأخيرة، خاصة في أعقاب انتفاضات الإيرانيين البطولية ضد الديكتاتورية الدينية في 2018 و 2019 أن يعين رئيسي رئيسًا لجمهورية الملالي عنوة انتهاكًا لرغبة المواطنين، نظرًا لأنه لا يتحمل سوى أقرب العناصر له، ومن بينهم السفاح إبراهيم رئيسي. وهذا الأمر مؤشر واضح من المؤشرات على أن نظام الملالي يحتضر في مرحلته النهائية.

رسالة رئيس جمهورية الملالي الجديد

يبدو من المنطقي الآن أن التفاوض حول الاتفاق النووي سيتوقف مع بداية فترة رئاسة إبراهيم رئيسي للجمهورية بالتوازي مع تكثيف القمع داخل إيران والإرهاب والتدخل في شؤون الدول. كما يُتوقع حدوث موجة من عمليات القتل المتسلسلة للمعارضين أو حتى ما يسمى بالعناصر الإصلاحية والمنتقدين داخل إيران، وستكون الزمرة الحاكمة في إيران هي المتهم الرئيسي فيها ليس إلا، نظرًا لأن خامنئي ورئيسي لن يكفَّا عن الاشتياط غضبًا في ضوء الخلل الناجم عن دخول نظامهما الفاشي في مرحلته النهائية.

.

.

.

@m_abdorrahman

*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.