تفوق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المنتهية ولايته بفارق بسيط على منافسه العلماني كمال كليتشدار أوغلو بعد فرز أصوات الناخبين في الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية أمس الاثنين، وبانتظار الجولة الثانية، كيف يعيش السوريون المتواجدون في تركيا هذه اللحظات الحاسمة من تاريخ البلاد؟

أظهرت النتائج الرسمية للدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية في تركيا حصول الرئيس المنتهية ولايته رجب طيب أردوغان على نسبة 49,51% من الأصوات، بفارق ضئيل عن منافسه العلماني كمال كليتشدار أوغلو 45,88%، ما دفع بإقرار جولة ثانية في 28 أيار/مايو، حيث كان يتوجب حصول أحد المرشحين على نسبة 50% +1 من الأصوات لضمان الفوز. في حين حاز حزب العدالة والتنمية على الأغلبية في البرلمان، ما يبقيه بموقع قوي بالنسبة لمنافسه.

وتحدث أردوغان وكليتشدار أوغلو عن ترحيل السوريين، كل منهما على طريقته مع اختلاف حدة الكلمات:

كمال كليتشدار أوغلو : ترحيل “خلال عامين”

كمال كليتشدار أوغلو هو زعيم حزب الشعب الجمهوري، وكان قد وعد بأكثر من مناسبة أنه “خلال عامين على الأكثر” سوف “نرسل جميع إخواننا السوريين إلى سوريا”. وقبيل يوم الانتخابات، صرح كليتشدار أوغلو في مقابلة مع تلفزيون ARD الألماني نقلته جريدة “زمان” التركية مشاركا تفاصيل حول مسودة القانون التي جهزها حزبه بخصوص ترحيل السوريين إلى بلادهم، قائلا “هناك أربعة ملايين لاجئ سوري. ونحن نستضيفهم منذ سنوات. لكنهم جميعًا يعملون بدون تأمين في تركيا. ماذا سيحدث عندما يتقدمون في السن غدًا؟ هنا علينا واجب إنشاء التفكير في المستقبل أيضًا”. وأضاف أن أنقرة ستعيد بناء الجسور والمدارس في سوريا عند عوتهم، وأن صناعيين من غازي عنتاب مستعدون للاستثمار هناك وضمان فرص عمل جديدة.

وبخصوص كيفية الترحيل والإجراءات الملموسة مع دمشق، قال “أولا، سوف نتصالح مع الحكومة الشرعية في سوريا. سنفتح السفارات بشكل متبادل. سنعيد السوريون المقيمون هنا إلى بلادهم مع شرط ضمان سلامة الأرواح والممتلكات، وإذا لزم الأمر، سيتعين على الأمم المتحدة التدخل”.

 

رجب طيب أردوغان : “ضيوف”.. عودة “طوعية”

تحدث الرئيس التركي المنتهية ولايته رجب طيب أردوغان منذ بداية هجرة السوريين إلى تركيا قبل أكثر من عقد عن أنهم “ضيوف”، وكرر في مناسبات عدة وجوب “عودتهم الطوعية”. وحتى قبل يومين من الانتخابات صرح من المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة، قائلا إن عملية عودتهم “بدأت”، وأنه “أنشأنا حتى الآن أكثر من 100 ألف منزل في الشمال السوري عبر مؤسساتنا الحكومية ومنظماتنا المدنية، وقد بدأ المهاجرون العودة إلى هذه المنازل”.

تصريحات المرشحين للانتخابات الرئاسية وانتظار الدورة الثانية نهاية الشهر الجاري تلقي بأثرها على السوريين الذين باتوا يعيشون في قلق متزايد.

“توتر وقلق وعدم الخروج من المنازل”

دخل السوريون بحالة من “التوتر والقلق والمتابعة الشديدة” لما يتم تداوله من تصريحات خصوصا من الأحزاب المعارضة والشارع التركي، بحسب الصحفية السورية مريم* والمقيمة في أنقرة.

ازدادت هذه المشاعر “في اللحظة التي سبقت الانتخابات وحتى هذه اللحظة، فنحن نراقب الأخبار مثل الأتراك وأكثر، نتابعها على مدار الساعة”. وردة فعل السوريين تجاه هذه الأجواء هي “الابتعاد عن الأحداث والخوف من وضع أي شيء مرتبط بالسياسة على صفحاتهم الشخصية أو الاكتفاء بتعبيرات الترقب، أو تناول الأوضاع الساسية بالمزاح”.

ويتركز الخوف خصوصا في مدينتي إسطنبول وأنقرة كون المعارضة فيهما أقوى، حسبما قالت مريم التي أضافت أن الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في 6 شباط/فبراير من العام الحالي أثر أيضا بشكل خاص على السوريين، “فقد ازداد الخطاب العنصري” لدى بعض الأحزاب التركية.

وبشأن تفضيل السوريين بين أردوغان وكليتشدار أوغلو، تقول الصحفية “أستطيع الجزم أن 80% من السوريين يودون لو يفوز أردوغان بالانتخابات لأن تصريحاته بالنسبة لهم أقل عنصرية”، رغم تغيير نبرته مذ بدأ حملته الانتخابية.

أما عن طرق التواصل بين السوريين خلال هذه المرحلة الحساسة من الانتخابات، فتقول مريم إن هناك مجموعات على “واتساب” أو “فيسبوك” لتجمع السوريين بمنطقة ما ترسل تعليمات تنص مثلا على “عدم التصريح بالآراء في الشارع تجاه الأحزاب، وعدم رفع صورة مسؤول ضد آخر”، أو “عدم التجمع أثناء الانتخابات والبقاء في المنازل، والابتعاد عن المناطق الانتخابية”. وفي حال السؤال عن المرشحين “نكتفي بالقول إنه لا دخل لنا بالأمر والله يختار الخير للبلد”.

ومن يرسل هذه التعليمات هم سوريون، حسبما أضافت، غالبا حاصلين على الجنسية التركية ولهم علاقات طيبة مع الحكومة التركية فبذلك يحصلون على بعض المعلومات وينشرونها لبقية السوريين المقيمين في البلاد.

وتفيد مريم بأن محلات لتجار سوريين أُغلقت يوم الأحد تحسبا للنتائج ولمجريات اليوم الانتخابي.

 

“المشكلة الكبيرة تكمن في القوانين والتوصيفات”

أسفت مريم لأن السوريين “مغيبون عن الوضع السياسي” ولعدم معرفتهم بالقوانين ولا بحقوقهم وبأنه “ليس لديهم أي تطمينات علنية تجاه أوضاعهم في تركيا لا من الدول الغربية ولا من الجاليات السورية أو المؤسسات التي تعنى بشأنهم، ولا من الائتلاف السوري أو قوى سورية معارضة”.

وتضيف أن هذا ما يفسر القلق والخوف “المؤذي جدا” الذي يعيشونه في تفاصيل الحياة اليومية. حيث يقال عن السوريين “ضيوف” و”هاربون” وهناك غياب لتوصيف “لاجئين”، ويقال إنهم “تحت الحماية المؤقتة” لكنهم “لا يفهمون هذا التوصيف، ولا يعرفون ما معناه بشكل ملموس”.

الوضع الإداري للسوريين والتغيرات التي قد تحملها الانتخابات

وقعت تركيا على معاهدة جنيف لحقوق اللاجئين 1951 لكنها لا تمنح صفة “لاجئ” إلا إلى القادمين من الدول الأوروبية. أما القادمين من غير أوروبا فعليهم التسجيل بالمقاطعات حيث يتواجدون، ما يتيح لهم الحصول على تصريح “الحماية المؤقتة” الذي بدأ العمل به عام 2014 للسوريين.

و”الحماية المؤقتة” (كمليك) تسمح بالوصول إلى خدمات في قطاع التربية والصحة، لكن تمنع المسجلين بمقاطعة ما من التنقل إلى مدن أخرى إلا بموجب إذن سفر. أما أنواع الإقامات الأخرى بالنسبة لهم فهي إما الحصول على تأشيرة طالب وإما الحصول على الجنسية التركية (التي لم تمنح إلا إلى عدد قليل جدا بالمقارنة مع نحو 4 ملايين سوري)، إضافة إلى أن هناك الكثير ممن ليس لديهم أي توصيف رسمي.

وحسب الباحثة في المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية بباريس سولين بويراز، مشكلة “الحماية المؤقتة” أنه بالرغم من الحصول عليها فهي لم تمنع إعادة بعض الأشخاص إلى سوريا، مع العلم أنه إجراء مؤقت أي يمكن إيقاف العمل به في أي وقت. ومن الممكن تعليق منح تصاريح الإقامة المؤقتة للسوريين ضمن ظروف الانتخابات، أو فورا بعد صدور النتيجة لتهدئة الشارع التركي مؤقتا.

وترى الباحثة أن كلا الطرفين في تركيا إن كان النظام الحالي أو المعارضة تحدثا عن عودة السوريين وأنه منذ عام 2011، لعب حزب العدالة والتمنية على كلمة “ضيوف”، و”الضيوف” يتوجب عليهم إن ينهوا زيارتهم يوما ما. فمنذ البداية، تم تصور “عودة” السوريين والخطاب السياسي كان دائما يتضمن وجودهم “المؤقت” في البلاد.

وخصوصية السوريين عن غيرهم من المهاجرين في تركيا هي عددهم الكبير وتواجدهم في كل أنحاء تركيا على عكس مهاجرين من بلدان أخرى قد يتواجدون في مناطق أكثر من أخرى، بالتالي السوريون “تحت المجهر” أكثر من غيرهم، إضافة إلى سياسة حزب أردوغان تجاههم التي جعلت المسألة السورية واجهة لها في فترة 2011 حتى 2013، ويبدو الآن أن الحزب يدفع ثمن سياسته السابقة تجاههم.

خطة قابلة للتطبيق؟

وعن إمكانية تحقيق مشروع كليتشدار أوغلو بترحيل السوريين خلال سنتين، قالت الباحثة إنه من الصعب جدا تنفيذه ولدينا أمثلة على ذلك خصوصا في لبنان، فقد وقعت حوادث إعادة قسرية إثر اتفاقات مع النظام السوري لكن لم يصر إلى تنفيذها. هذا دليل على صعوبة أو استحالة إعادة كل هذا العدد الكبير من السوريين.

نتيجة الانتخابات لن تغير كثيرا وضع السوريين، حسب بويراز، فهم مسبقا يعيشون “ابتذال” خطاب معاد لوجودهم، و”شرعنة” للخطاب حول حماية الحدود يخلط أيضا بآخر معاد لأوروبا والغرب كون تركيا لا تريد أن تكون “مخزنا” لأعداد كبيرة من السوريين الراغبين بالوصول إلى أوروبا.

السوريون يعيشون حالة “ضعف شديد” على المستوى الإداري و”عدم يقين” بشأن مصيرهم في البلاد، بغض النظر عن الانتخابات والتغيرات في السياسة الداخلية.

 

ووقعت حوادث سابقة لترحيل سوريين، ففي عام 2019، أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرا يفيد بأن تركيا عمدت إلى ترحيل لاجئين سوريين قسريا، وكان ذلك في محاولة منها لإقامة ما يسمى “منطقة آمنة” داخل الحدود السورية. واعتمد التقرير على شهادات سوريين اعتدت عليهم الشرطة التركية بالضرب وهددتهم بالتوقيع على وثائق تفيد بأنهم كانوا يطلبون العودة إلى سوريا، بينما كانت تركيا تجبرهم على العودة إلى منطقة حرب وتعرضهم للخطر.