فرنسا عشية “حظر العباءة”.. جدل انتهاكات العلمانية وهوس “رفض المسلمين”
في وقت أشاد فرنسيون من التيار المحافظ، الاثنين، بقرار الحكومة حظر ارتداء الفتيات للعباءة في المدارس التي تديرها الدولة، أثار القرار انتقادات أيضا، وقدرا من السخرية، كما برره أعضاء من الحكومة الفرنسية.
وفرضت فرنسا حظرا صارما على إظهار الرموز الدينية في المدارس الحكومية منذ أن أزالت القوانين في القرن التاسع عشر أي تأثير كاثوليكي تقليدي من التعليم العام، لكنها تجد صعوبة في تحديث إرشادات التعامل مع أقلية مسلمة يزداد عددها.
والعلمانية موضوع حساس غالبا ما يثير التوترات في فرنسا.
وقال وزير التعليم غابرييل أتال في مؤتمر صحفي لشرح الحظر الذي فرضته الحكومة أمس الأحد “مدارسنا تخضع للتفتيش باستمرار، وخلال الأشهر الماضية، زادت الانتهاكات للعلمانية بشكل كبير، خاصة مع ارتداء (التلاميذ) ملابس دينية مثل العباءات والقمصان الطويلة”.
واضاف أتال “تشكيل جبهة موحدة يعني أن نكون واضحين: لا مكان للعباءة في مدارسنا”، ووعد بتدريب “300 ألف موظف سنويًا في قضايا العلمانية حتى عام 2025″، وتدريب جميع الموظفين الإداريين البالغ عددهم 14 ألفًا بحلول نهاية عام 2023.
وقال الوزير “مدارسنا أمام اختبار. في الأشهر الأخيرة، تزايدت الهجمات على العلمانية بشكل كبير، ولا سيما عبر ارتداء الملابس الدينية.. “.
وسارع إريك سيوتي رئيس حزب “الجمهوريون” المحافظ بالترحيب بهذه الخطوة، مؤكدا أن حزبه طالب بها مرارا.
لكن كليمونتين أوتان، النائبة عن حزب فرنسا الأبية، اليساري المتشدد، انتقدت ما وصفته “بشرطة الملابس” وبتحرك “يوضح الهوس برفض المسلمين”.
فيما أعرب زعيم الحزب، جان لوك ميلانشون، في منشور على موقع أكس (تويتر سابقًا) عن “حزنه لرؤية العودة إلى المدراس عرضة للاستقطاب السياسي عبر حرب دينية جديدة سخيفة ومصطنعة تماما حول لباس نسائي”.
وفي يونيو الماضي، قال ميلانشون إن العباءة “لا علاقة لها بالدين” وإن مشكلة المدارس ليست في هذا اللباس بل في “نقص المعلمين، والأماكن غير الكافية”.
ولدى أحزاب يسارية أخرى، لقيت هذه الخطوة ترحيبا باسم العلمانية. إذ أشاد بها النائب الاشتراكي جيروم غويدج، ورئيس بلدية مونبلييه (جنوب) الاشتراكي مايكل ديلافوس، وزعيم الحزب الشيوعي فابيان روسيل.
وعبر ديدييه جورج أمين عام اتحاد المدراء في قطاع التعليم لرويترز عن ترحيب الاتحاد بهذه الخطوة، وبأن المطلوب هو الوضوح قبل أي شيء.
وقال جورج عن العباءة “ما كنا نريده من الوزراء هو: نعم أم لا؟… نشعر بالرضا لأن القرار اتُخذ. وكنا سنشعر بالسعادة بنفس القدر لو كان القرار هو السماح بالعباءة”.
وتحدث عن المخاوف بشأن سلامة مديري المدارس قائلا “كنا نشعر بالقلق من الزيادة الكبيرة في (عدد الطالبات) اللاتي يرتدين العباءة. ونعتقد أن التدخل (في هذا الأمر) ليس من دورنا بل هو دور الدولة”.
وقتل متطرف إسلامي عام 2020 مدرس التاريخ صموئيل باتي، في هجوم أصاب جوهر القيم العلمانية للبلاد والدور الذي يلعبه المعلمون في مقتل.
وذكرت صوفي فينيتيتاي، من اتحاد المدراء في قطاع التعليم، أنه من المهم التركيز على الحوار مع التلاميذ والأسر للتأكد من أن الحظر لا يعني نقل الأطفال من المدارس التي تديرها الدولة إلى المدارس الدينية.
وقالت لرويترز “من المؤكد أن العباءة ليست المشكلة الرئيسية في المدارس”، وإنما نقص المعلمين الذي يمثل مشكلة أكبر بكثير.
وحظرت فرنسا ارتداء الحجاب في المدارس عام 2004، والنقاب في الأماكن العامة عام 2010، مما أثار غضب بعض أفراد الجالية المسلمة البالغ عددها خمسة ملايين نسمة.
وقرر باب ندياي، سلف أتال، قبل أقل من عام عدم المضي لأبعد من ذلك وحظر العباءة على وجه التحديد، وقال لأعضاء مجلس الشيوخ إن “تعريف العباءة ليس سهلا، وسيأخذنا من الناحية القانونية إلى المحكمة الإدارية التي سنخسر فيها القضية”.
وعبر عبد الله زكري نائب رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية عن وجهة نظر مماثلة، وقال إن قرار أتال كان خاطئا.
وقال لقناة بي.إف.إم التلفزيونية “العباءة ليست زيا دينيا، وإنما نوع من الموضة”.
من جهة أخرى قال أعضاء في الحكومة الفرنسية إن حظر ارتداء العباءة يستجيب لضرورة الاتحاد في مواجهة “هجوم سياسي”.
وقال المتحدث باسم الحكومة أوليفييه فيران لقناة “بي إف إم تي في” التلفزيونية “إنه هجوم سياسي، إنها إشارة سياسية”، مستنكرا ما وصفه بأنه شكل من أشكال “التبشير” من خلال ارتداء العباءة.
وورد في مذكرة صادرة من أجهزة الدولة أن الانتهاكات التي تستهدف العلمانية في تزايد كبير منذ قتل المدرّس باتي قرب مدرسته، وقد ازدادت بنسبة 120 بالمئة بين العامين الدراسيين 2021-2022 و2022-2023.