إسرائيل تنقل جزءاً من حربها ضد “حزب الله” إلى سوريا
أعلنت إسرائيل عن مرحلة جديدة من الحرب التي تشنها على “حزب الله” في لبنان، تتمثل بقطع الطريق البري لنقل الأسلحة من إيران إلى جنوب لبنان، عبر توجيه ضربات جوية وبرية داخل سوريا التي تشكل صلة الوصل في “الكاريدور البري”.
أوعز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من نيويورك قبيل خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، مساء الخميس، بوقف عمليات تهريب الأسلحة من إيران عبر سوريا إلى لبنان، بحسب صحيفة “يسرائيل هايوم”.
وبناء على توجيهات نتنياهو، أعلن قائد سلاح الجو الإسرائيلي تومر بار، الاستعداد لشن هجمات جوية لوقف أي محاولات نقل للأسلحة من إيران إلى حزب الله.
وأضاف بار، في مقطع فيديو نشره الجيش الإسرائيلي يظهر فيه بار يتحدث إلى ضباط، أن سلاح الجو جاهز لمساعدة القوات والتشكيلات الإسرائيلية الاخرى في أي عمليات برية، بحسب صحيفة “جيروزاليم بوست”.
على الرغم من أن استهدف إسرائيل لشحنات الأسلحة الإيرانية في سوريا ليس جديداً، وكان أحد أبرز أهداف ما يُطلق عليه الجيش الإسرائيلي “المعركة بين الحروب” التي بدأت منذ 2013 نفذه خلالها مئات الضربات والعمليات العسكرية.
ولكن هذا الهدف تحول إلى عنوان مرحلة جديدة في الحرب التي تشنها إسرائيل على لبنان، منذ الإثنين الماضي، والتي تطلق عليها اسم “سهام الشمال”.
ومع كل تصعيد إسرائيلي ضد إيران وأذرعها في المنطقة تصعد تل أبيب من حدة ضربات في سوريا، التي تحولت منذ أكثر من عقد لساحة الصراع الإسرائيلي الإيراني للتنافس الإقليمي.
وجدير بالذكر أن إسرائيل صعدت من ضرباتها داخل سوريا بالتزامن مع الحرب على غزة، وبات أكثر حدة بالاعتماد على قدرات استخباراتية أعلى لضرب أهداف إيرانية منها استهداف القنصلية الإيرانية بدمشق والإنزال الجوي في مركز البحوث العلمية في مصياف بريف حماة.
سوريا من جديد ساحة للصراع الإسرائيلي الإيراني
؟
قبل 5 أيام، بدأت إسرائيل حربها بتصعيد تدريجي وتنفيذ مئات الضربات الجوية في جنوب لبنان وامتدت لاحقاً إلى البقاع وشمال بيروت.
وفي المرحلة الثانية من الحرب أعلنت، الثلاثاء، عن خطة استهداف منازل في قرى الجنوب تقول تل أبيب عن الحزب يستخدمها لتخزين الصواريخ.
أما المرحلة الثالثة هي قطع إمدادات حزب الله من سوريا بعد تنفيذ الجيش الإسرائيلي مئات الضربات يقول إنها أضعفت مهام القيادة والسيطرة لحزب الله في لبنان وقبلها منظومة الاتصالات.
وقال قائد سلاح الجو تومر بار، في حديثه الذي نشر اليوم، إن “قدرة نصر الله على الصمود تعتمد على الإمدادات القادمة من إيران”، مشيرا إلى أن قدرة حزب الله على التعافي من الضربات الإسرائيلية تعتمد أيضا على القدرة على الوصول إلى الموارد الإيرانية.
وأكد احتمال الذهاب إلى خيار التوغل البري، بقوله “نحن نستعد جنباً إلى جنب مع القيادة الشمالية لمناورة برية”.
وقبل أيام تحدثت صحيفة “هآرتس”، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين، عن إمكانية انتقال الحرب إلى سوريا، لمنع تدفق مقاتلي “محور المقاومة” والتجمع على الحدود الشمالية.
وقالت الصحيفة الإسرائيلية، إن الجيش يتابع بقلق قدوم نحو 40 ألف مقاتل من سوريا والعراق واليمن إلى الجولان، وينتظرون دعوة زعيم حزب الله حسن نصر الله للمشاركة في القتال.
ونقلت عن مصدر أمني إسرائيلي رفيع المستوى، قوله إن وجود هؤلاء المقاتلين أمر خطير، وأن إسرائيل ستتدخل بسوريا كي توضح لنظام الأسد أنها لن تقبل بوجود المقاتلين في هذا المكان، معتبرا أن إسرائيل في حرب يمكن أن تتصاعد لحرب إقليمية أوسع بكثير.
وكان من اللافت، أن جزء من التبريرات التي قدمتها تل أبيب في استهدافها “غير المسبوق” للضاحية الجنوبية، يوم الجمعة الماضي، واغتيال مجموعة من قيادة وحدة الرضوان قوات النخبة في حزب الله بينهم إبراهيم عقيل وأحمد وهبي، هو إنهم كانوا يخططون لـ “غزو الجليل” انطلاقا من الشمال من جنوب لبنان والجولان.
ونشر الجيش الإسرائيلي بياناً رسمياً أعلن فيه اغتيال عقيل، وزعم البيان “تمت تصفية عقيل وقادة آخرين بالحزب كانوا يخططون لـ “غزو الجليل”، وتتهم إسرائيل عقيل بأنه كان يخطط لشن هجوم مماثل لـ “طوفان الأقصى” انطلاقاً من الشمال.
؟
استهداف المعابر وقطع طرق الإمداد
أمس الخميس، أعلن الجيش الإسرائيلي رسمياً استهداف 8 مواقع على الحدود البرية بين سوريا ولبنان، أسفرت عن إصابة 8 أشخاص، وتركزت في معبر مطربا بريف حمص وسط تدفق اللاجئين اللبنانيين وعودة السوريين من لبنان من جراء الحرب.
قال بيان الجيش الإسرائيل إن المواقع المستهدفة هي بنى تحتية على الحدود اللبنانية السورية يستخدمها “حزب الله” لنقل أسلحة إلى لبنان.
؟
؟
ونشر الجيش الإسرائيلي خريطة تحدد 8 مواقع تم استهدافها، هي 5 متلاصقة في شمالي لبنان و3 في وسطه، وجميعها على الحدود مع سوريا.
فجر الجمعة، تجدد القصف على المعابر، وأعلن مصدر عسكري من وزارة الدفاع في حكومة النظام السوري مقتل 5 جنود من جيش النظام السوري وأصيب آخر بقصف إسرائيلي استهدف موقعاً عسكرياً على الحدود السورية اللبنانية.
وذكرت مصادر إعلامية أن القصف الإسرائيلي استهدف موقعاً لسرية مشاة من “اللواء 18” قرب “الفرقة العاشرة” في كفير يابوس، ما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص وعدد كبير من الجرحى.
رفض التسوية والذهاب إلى التصعيد
يتزامن هذا التصعيد ونقل العمليات العسكرية من لبنان إلى الأراضي السورية، كجزء من “سهام الشمال” وليس من “المعركة بين الحروب”، مع خيبة أمل الولايات المتحدة من رفض نتنياهو مقترح أميركي فرنسي لهدنة مؤقتة تستمر 21 يوماً.
وفاجئ نتنياهو مسؤولي البيت الأبيض، قبيل إلقاء كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، بإصدار بيان ينفي فيه الموافقة على اتفاق وقف إطلاق نار بين إسرائيل ولبنان.
وكانت كل من الولايات المتحدة وفرنسا واليابان وقطر والسعودية والإمارات دعت إلى “وقف فوري لإطلاق النار لمدة 21 يوماً عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية، لإفساح المجال أمام الدبلوماسي.
وقال بيان مكتب نتنياهو، في تدوينة نشرها عبر منصة “إكس”، إن الأنباء المتعلقة بوقف إطلاق النار غير صحيحة، وأن رئيس الوزراء لم يستجب إلى الآن لاقتراح أميركي فرنسي بشأن التهدئة.
وأعلن مكتب نتنياهو، في البيان نفسه، أن الجيش الإسرائيلي “سيواصل ضرب حزب الله بكل قوة، ولن نتوقف حتى نحقق كل أهدافنا، وفي مقدمتها إعادة سكان الشمال إلى منازلهم بسلام”.
من جانبه، أكد وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أنه “لن يكون هناك وقف لإطلاق النار في الشمال”.
وأثار رفض نتنياهو استغراب الإدارة الأميركية التي لم تتوقعه، واعتبرت الرفض تراجعاً عما تم التوافق عليه بالذهاب إلى وقف إطلاق نار مؤقت.
وقال منسق الاتصالات الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، لا أعرف لماذا قال نتنياهو ما قاله بشأن المقترح الأميركي ولا أعرف ما هي اعتباراته السياسية أو العملية.
وأضاف كيربي، في مؤتمر صحفي، لم نكن لنصدر بيانا (بشأن مقترح الهدنة) لو لم يكن لدينا سبب للاعتقاد أن محادثاتنا مع الإسرائيليين كانت تدعم وقف إطلاق النار.
وأكد المسؤول الأميركي بقوله، إن مقترحنا لم يأت من فراغ بل بعد مشاورات مع الإسرائيليين ولدينا كل الأسباب للاعتقاد أنهم كانوا على علم.
وهذه ليست المرة الأولى التي يفشل فيها نتنياهو جهوداً دبلوماسية تقودها الولايات المتحدة في اللحظات الأخيرة من التوافق، وكرر الأمر ذاته في العديد من جولات التفاوض بشأن التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار في غزة.
وكعادته عندما يريد عرقلة مسار تم التوافق عليه يوكل المهمة إلى مكتبه لإصدار البيانات، إما عندما يتبنى موقف يخرج ببث مباشر عبر حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك” ومنصة “إكس”.
ويشير رفض نتنياهو في اللحظات الأخيرة لمقترح، تعتقد واشنطن إنه وصل إلى مرحلة النضوج، إلى أنه عازم على تغيير المسار المتوافق عليه مع حلفائه والذهاب نحو التصعيد، وهو الموقف الذي أعلنه أمس بالإيعاز لاستهداف طريق إمدادات حزب الله في سوريا.
نظام الأسد ينأى بنفسه
كان من اللافت الصمت المريب لنظام الأسد عما يجري في المنطقة وتنصله من “محور الممانعة” الذي تقوده إيران، ورفضه المشاركة بما يسميه المحور “معارك الإسناد لغزة”.
ومنذ 5 أيام للحرب المتواصلة وقبلها تفجيرات اللاسلكي واغتيال قادة حزب الله بالضاحية لم يصدر بشار الأسد بياناً أو تعليقاً، كعادته السابقة، ونأى بنفسه عن جنوب لبنان كما فعل طيلة عام كامل من الحرب المستمرة في قطاع غزة.
وكشف مصدر أمني لموقع “تلفزيون سوريا”، أن نظام الأسد رفض المشاركة بالحرب أو مساندة حزب الله، ورفضه بشكل قاطع السماح لحزب الله بتجنيد أي سوريٍ للقتال في صفوفه ضد إسرائيل، رغم الشراكة الاستراتيجية بين النظام وحزب الله في قمع الثورة السورية منذ العام 2011.
وقال المصدر، عن النظام السوري أغلق قبل أيام مكتب تجنيد كان قد افتتحه “حزب الله” بالقرب من مقام السيدة زينب بريف دمشق بهدف استقطاب متطوعين للقتال ضمن صفوف “المقاومة الإسلامية في لبنان” في مواجهة إسرائيل على الجبهة الجنوبية في لبنان.
؟
ضغوط أمنية لإغلاق مكتب تجنيد لحزب الله
؟
كشف المصدر الأمني عن زيارة التقى فيها ضباط من مكتب الأمن الوطني مع القيادي في الحزب الحاج “أبو علي ياسر” المسؤول المباشر عن مكتب التجنيد لإقناعه بإغلاق المكتب، وتجنب أي أنشطة تجنيدية علنية.
ونقل أعضاء الوفد رسالة شفهية من اللواء كفاح ملحم رئيس “مكتب الأمن الوطني” أكّد فيه على ضرورة إغلاق المكتب فوراً لدواعٍ تتعلق بالوضع العسكري القائم على الأراضي السورية.
وأوضحت الرسالة أن “سوريا ليست في وضع يسمح لها بفتح جبهة جديدة في الجنوب، خاصة أن هناك مخاوف من أن تؤدي أي مواجهة مع إسرائيل إلى تصعيد يطول الحدود السورية مباشرة في منطقة الجولان، ما قد يفرض على النظام إعلان التعبئة العامة في صفوف قواته في ظل تحديات داخلية عديدة”
ويمتنع النظام عن التصريح عن سياسته الجديدة بالخروج عن “محور إيران” على الأقل إقليمياً، ولكن معظم الخبراء يشيرون إلى أن الأسد ينتظر تسوية إقليمية يتجنب فيها الانخراط في الحرب للحفاظ على كرسيه او ربما بإيعاز من حليفه الروسي، فضلاً عن إنه عاجز وفقد قدراته ويمر بتقلبات فرضت عليه ترتيب بيته الداخلي.