سحب الجنسية الكويتية… حملة تطهير مكارثية؟ … راشد عيسى
كان يمكن لخبر سحب الجنسية من كويتيين أن يمرّ بشكل عابر، على أهميته، لو لم يرد اسم الممثل الكوميدي المعروف داوود حسين، والمغنية نوال الكويتية.
فوفقاً لمرسوم نشر في الجريدة الرسمية، سُحبت الجنسية من داوود حسين والمطربة نوال، وممن اكتسبها معهما عن طريق التبعية، من بين 1758 حالة أخرى. ليصل عدد المسحوب جنسياتهم إلى 4447 شخصاً، وفق آخر الإحصاءات.
يستوقفنا اسم داوود حسين تحديداً لأنك لو أجريت استطلاعاً في بلدان عربية عمّا، وعمّن يعرفونه في هذا البلد، لجاء اسم داوود حسين واحداً من عشر علامات من ذلك البلد وصورته المحبوبة، وذلك بفضل أدواره في مسرحيات كوميدية رافقتنا طويلاً في سهرات عائلية أمام شاشات التلفزيون.
إنه أشبه بعادل إمام في مصر، أو ناصر القصبي في العربية السعودية، أو شارلي شابلن في الولايات المتحدة.. تخيل أن تسحب الجنسية المصرية من فريد الأطرش، ونجاة الصغيرة وسعاد حسني، بحجة الأصل السوري، ومشاهير سواهم يتحدرون من أصل تركي أو مغربي أو إيطالي أو يوناني، أو باكستاني، كأحد أبرز صناع السينما المصرية، محمد خان، المولود في مصر ولم يحصل على جنسيتها، مع ذلك، حتى سني حياته الأخيرة.
حق المواطَنَة
لكن لندع جانباً كل تلك الإنجازات، التي لا شك تقبع في أعماق ذاكرة ووجدان الكويتيين، فقد يحدث أن يكون المرء بلا إنجازات كبرى، أو حتى بلا أي إنجازات، مجرد عامل باطون مثلاً، أو عتال، أو بائع خضروات، ألا يستحق جنسية بلد ولد وعاش فيه، ووُلد أبناؤه، وتزوّجوا منه، وعملوا له؟
وفي حالة داوود حسين فقد ولد الرجل (المتحدر من أصل باكستاني) في الكويت العام 1958، ونشأ وترعرع فيها، وتدرج في الأعمال الفنية منذ صغره عبر التمثيل في المسرح المدرسي، ودرس في المعهد العالي للفنون المسرحية في دولة الكويت. وانضمّ فيما بعد إلى فرقة «المسرح الكويتي»، وصولاً إلى أول أعماله التلفزيونية، مسلسل «المصير»، الذي عُرض عام 1977.
وقدّم، خلال مسيرته الفنية، الكثير من الأعمال المميزة التي يتجاوز عددها 50 عملاً تلفزيونياً، وأكثر من 40 مسرحية، من بينها دوره في مسرحية «باي باي لندن»، ومسرحية «مراهق في الخمسين»، ومسرحية «باي باي يا عرب».
وحسين حصل على الجنسية الكويتية (وكذلك نوال الكويتية) العام 2001 بقرار من أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح، وبدعم من الشيخ صباح الأحمد الصباح، «تقديرًا لخدماته وولائه لدولة الكويت».
إذاً فقد مرّ وقت طويل على حصول حسين على الجنسية، ويفترض أنه قد اجتاز الآن أي اختبار. أما قياساً على العمر الذي قضاه في البلد، وولادته فيه، فلو عاش في بلد أوروبي على سبيل المثال لكان حاز حتى الآن عشرين جنسية، من دون أن يحاسبه أحد على دينه، أو طائفته، أو مواليد جده، فأعتى البلدان الأوروبية لن يهتم إلا بعملك ودخلك، حتى بغض النظر أحياناً عن قدرتك على الاندماج في مجتمعات البلد الجديد.
الوجه الآخر للقرار
الأسباب المزعومة التي تساق تسويغاً لقرار سحب الجنسية مختلفة، التزوير، أو البيانات غير الصحيحة، أو عدم استيفاء الشروط القانونية، أو بسبب الاحتفاظ بجنسية إلى جانب الكويتية.
والهدف، على ما تداولت صحف ومواقع، تنقية ملف الجنسية من المخالفات الحفاظ على الهوية الوطنية، وتحقيق الاستقرار، وحماية النسيج الاجتماعي في البلاد.
ولا ندري ما هو أقدر على ضرب النسيج الاجتماعي من استبعاد آلاف المواطنين (وبالتالي عشرات آلاف العائلات المرتبطة بها) من محيطهم الاجتماعي المعتاد، بل وضرب أي إحساس بالأمان المواطني عند الجميع، ما دامت القوانين تقرَّر وتُسنّ على هوى الراهن السياسي.
ولأن القرار بالجملة، حيث لا محكمة أو قرار قضائي يفصّل كل حالة بحالتها، لن يتاح لنا، الآن على الأقل، معرفة الأسباب التي حدت بالسلطات سحب الجنسية من هذا المواطن أو ذاك.
ولكن ما يتداول أن السياسة ليست بعيدة عن هذه العملية، وهناك من يلمح إلى أنها تأتي في سياق متوتر بين الحكم والمعارضة، وقد تصح هنا العودة إلى مواقع التواصل الاجتماعي، إذ من المحتمل أن يدلّنا الذباب الإلكتروني على المقصود من العملية، وقد تشير الطريقة التي يُشَيْطَن فيها هؤلاء إلى المغزى وراء موجة سحب الجنسيات هذه.
وفي حالة داوود حسين ونوال الكويتية (العراقية الأصل) فعلى ما يبدو يكمن السر في انتمائهما للطائفة الشيعية، وهناك اتهامات لحسين بالمشاركة في أفلام إيرانية بأدوار تعادي الطائفة السنية، إلى جانب كلام عن تضامنه مع فعاليات سياسية شيعية هنا وهناك.
ولكن حتى لو كان هذا صحيحاً، هل من حق السلطات سحب الجنسية من أحد بسبب موقفه السياسي، أو انحيازه الديني، أو حتى ارتكابه جريمة قتل؟ أن يكون المرء قاتلاً لا يبدّل من جنسيته، تستطيع أن تحاكمه بأقصى العقوبات كما يقتضي القانون، أما الجنسية فأمر آخر.
هل هناك من يقبل بسنّ قوانين لاستبعاد أمثال النائبة الأمريكية من أصل فلسطيني رشيدة طليب، أو الأمريكية الصومالية إلهان عمر من الكونغرس؟
هل هناك من يقبل أو يطالب بتجريد دريد لحام، الشيعي، المناصر بقوة للنظام المتوحش في بلده، وربما بقدر أكبر لإيران، من جنسيته السورية؟
البدون
في الوقت الذي ننتظر فيه من «جزيرة الحرية» العربية السابقة (الكويت) أن تنظر بعين الرحمة لملف «البدون» الاستثنائي في العالم كله، تجدهم يبدعون في تحويل المجنّسين إلى «بدون».
أما اسم نوال الكويتية فهذا أيضاً حكاية أخرى، فقد لا نعرف أحداً سواها يكنّى بـ«الكويتي»، ومع ذلك ستخسر الآن لقباً حصلت عليه بقوة الحضور، لا بقوة الإجراءات الإدارية، ومع ذلك ستجد فجر السعيد، المذيعة الكويتية المعروفة، تجادل و«تناضل» دفاعاً عن قرار السلطات، أما في ما يخص نوال الكويتية فتقول، من ضمن تغريدة طويلة: «لو سمحتوا بعد قولولها تشيل لقب الكويتية من ورا اسمها، وتحط اسم ابوها لأن هذا يعتبر تزويراً».
ما هذه العملية إلا حملة تطهير «مكارثية». انتهاك العدالة هذا لا يمكن أن يكون بلا ثمن.
* كاتب من أسرة «القدس العربي»