سوريون يعودون بغصّة البحث عن أحباء مفقودين

لطالما حلمت وفا مصطفى باليوم الذي سيسقط فيه حكم بشار الأسد لتتمكن من العودة إلى سوريا، لكن فرحة عودتها كانت ناقصة بسبب غياب والدها الذي تبحث عنه منذ اعتقاله العام 2013.
وقالت مصطفى (35 عاماً) التي تعيش في برلين: “منذ 8 كانون الأول/ديسمبر، يوم سقوط حكم الأسد، لم أشعر بالفرحة. كنت أتخيل أنني حين سأصل إلى سوريا، كل شيء سيكون أفضل، لكن الحقيقة أن كل شيء مؤلم جداً” هنا، حسبما نقلت وكالة “فرانس برس”.

ومنذ عودتها إلى سوريا بُعيد سقوط النظام، تتنقل مصطفى بين أجهزة الأمن والسجون والمشارح والمستشفيات، على غرار كثيرين مازالوا يبحثون عن أي أثر لأحبائهم المفقودين. وتابعت مصطفى التي تعمل مسؤولة عن التواصل في منظمة “سيريا كامبين” غير الحكومية، أنها ترى “التعب على وجوه الناس” في الشارع.

وفي العام 2021، دعيت وفا إلى الأمم المتحدة لتقدم شهادتها في قضية عشرات الآلاف من المفقودين الذي يشكل مصيرهم أحد أبرز وجوه المأساة السورية بعد أكثر من 13 عاماً من نزاع مدمر تسبب بمقتل أكثر من نصف مليون شخص. وتم تحرير الآلاف من السجون بعدما أطاحت “هيئة تحرير الشام” وفصائل إسلامية متحالفة معها بحكم الأسد، لكن العديد من السوريين مازالوا يبحثون عن إجابات بشأن مصير أبنائهم.

وبعد عودتها إلى سوريا، دخلت مصطفى إلى الفرع 215 التابع للأمن العسكري في دمشق حيث اعتقلت بعد مشاركتها في التظاهرات المناهضة للأسد العام 2011، وعثرت هناك على وثائق تذكر اسم والدها. وقالت المرأة التي قررت استكمال عملها من سوريا لتواصل البحث عن والدها: “نملك على الأقل طرف خيط قد نتمكن من استكمال البحث عنه… نريد الحقيقة”. وأكملت مصطفى: “أحلم بقبر، أحلم بمكان أستطيع أن أكلم والدي من خلاله. باتت القبور أكبر أحلامنا”.

من جهته، كان يوسف السماوي (29 عاماً) إلى جانب مصطفى خلال تظاهرة في دمشق لأهالي المفقودين. وعلى غرار مصطفى، عاد من ألمانيا بعد 12 عاماً من اللجوء، وكان وقعُ غياب أحبائه الذين قتلوا على يد النظام، قاسيا جداً. وقال الشاب: “عندما عدت، أدركت للمرة الأولى أنهم غير موجودين بعد اليوم”، مضيفاً: “فهمت أن أهلي اعتادوا غيابهم، لكن أنا لا”.

وروى السماوي أنه غادر سوريا خلال فترة النزاع بعدما أُوقف ابن عمه وضربه عناصر الأمن، العام 2012. أما عمه الذي ذهب إلى المستشفى بهدف زيارة ابنه، فاعتُقل على يد قوات الأمن أيضاً، قبل أن يُعدم لاحقاً. ولم يعلم السماوي إلا بعد لجوئه إلى ألمانيا بوفاة ابن عمه الذي قتل عقب نقله إلى جهاز المخابرات الجوية. وتعرف عليه لاحقاً ضمن “صور قيصر” التي التقطت بين 2011 و2013 موثقة التعذيب والقتل في سجون النظام، وسربت للخارج.

وقال الشاب: “نطالب أن يتم تحقيق العدالة لهم لكي تخف معاناتنا”. وفي حين أتاح سقوط حكم بشار الأسد للعديد من السوريين العودة إلى بلدهم والبحث عن أحبائهم بعد سنوات من الفراق، لكن آخرين لم يملكوا هذه الفرصة.

ولا تملك فدوى محمود (70 عاماً) أي خبر عن زوجها عبد العزيز الخير، الشيوعي والمعارض البارز للنظام، وابنهما، اللذين خطفا العام 2012 أثناء عودتهما من المطار. وفي العام 2013، اضطرت هي نفسها للفرار إلى ألمانيا.

وبحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، لقي أكثر من 100 ألف شخص حتفهم في السجون ومراكز الاعتقال السورية منذ بدء النزاع في العام 2011، بينما يقدر عدد المفقودين بالآلاف. وقالت المرأة التي شاركت بتأسيس جمعية “عائلات من أجل الحرية”، وهي منظمة للدفاع عن حقوق الإنسان مقرها نيويورك، أنها لا تجرؤ على العودة بعد، لأسباب تتعلق بوضعها القانوني كلاجئة، وكذلك أسباب سياسية، مع وصول الإسلاميين إلى السلطة.

وأضافت محمود عبر الهاتف من ألمانيا حيث تقطن الآن: “لا أحد يعرف ما قد يحصل، لذلك أفضل أن أكون حذرة”. واعتبرت أن “السلطات الجديدة لم تأخذ الملف على محمل الجد بعد” رغم تعهدها بتحقيق العدالة للمعتقلين السابقين والمفقودين في سجون الأسد.

ورأت محمود أن قائد الإدارة السورية الجديد، أحمد الشرع، “لم يفعل شيئاً بعد للسوريين المفقودين، رغم أنه بالأمس، قابل والدة أوستن تايس بعد ساعتين” من وصولها إلى دمشق، في إشارة إلى الصحافي الأميركي المفقود منذ العام 2012 في سوريا. وأكملت بأن الشرع لم يستجب لطلبات أقرباء مفقودين سوريين بلقائه. ورغم الألم، إلا أنها تؤكد أن “الثورة ما كانت لتنجح لولا تضحيات مُعتقلينا”.

المدن
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى