
المجرم بشار وأثر حكمه : كيف دمر نظام الأسد الاقتصاد السوري؟
لم يشهد الاقتصاد السوري انتعاشًا بعد مرور نحو شهرين على هروب بشار الأسد من البلاد، حيث تواجه الحكومة الانتقالية تحديات اقتصادية ضخمة بسبب السياسات الاقتصادية التي تبناها النظام السوري. هذا الوضع يثير تساؤلات عن كيفية وصول البلاد إلى هذا التردي الاقتصادي الذي استمر طوال حكم آل الأسد.
على الرغم من الانخفاض الملحوظ في الأسعار، وبداية الحديث عن العملات الصعبة دون الخوف من العواقب القانونية، إلا أن الوضع الاقتصادي ما زال يحتاج إلى الكثير من العمل. الحكومة الجديدة تركز على إعادة بناء سوريا وفقًا لتصريحاتها، لكن ما يراه السوريون هو انفراجات في أكثر من مجال رغم الوضع الصعب. المحلات التجارية أصبحت تعج بالبضائع الأجنبية، بينما انتشرت الصرافة في الشوارع، وعادت الكثير من المنتجات التي كانت ممنوعة سابقًا من الدخول إلى البلاد.
كما أن السيارات الحديثة والأجهزة الإلكترونية، التي كان النظام يحصر استيرادها لأشخاص معينين ويمنع الآخرين من الاقتراب منها تحت طائلة السجن، أصبحت متوفرة في الأسواق.
وأشار الباحث زكي محشي من كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية في تصريح لـ”عربي بوست” إلى أن العديد من الأصناف الأساسية كانت تقتصر على فئة معينة، حيث كانت شهادات الاستيراد تُمنح لهم فقط، سواء بأسمائهم أو عبر شركات وهمية أو شركات ظل.
وذكر محشي أن أحد الأمثلة على ذلك كان يسار إبراهيم، المقرب من عائلة الأسد، الذي كان يمتلك العديد من الشركات التابعة له أو التي كانت تُسجل بأسماء موظفين لديه بهدف تجاوز العقوبات وحجب فكرة الاحتكار عن الأنظار.
وأكد أن النظام السابق لم يكن يهتم بأسماء المحتكرين، بقدر ما كان يولي اهتمامًا للوظائف التي يؤدونها، مما كان يتيح له تغييرهم أو فرض عقوبات عليهم حسب الحاجة.
وبحسب سجلات وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، استمر احتكار عدد من المواد الأساسية في سوريا خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2023، حيث كان الاستيراد محصورًا بعدد قليل من الأفراد. شملت المواد مثل السكر، الأرز، الشاي، الموز، السردين، التونة، وحليب الأطفال، وغيرها، وكان من أبرز الأسماء المهيمنة على هذه الأسواق طريف الأخرس، أحد المقربين من بشار الأسد، الذي اشتهر بأنه “حوت السكر” في سوريا.
من جهة أخرى، ذكر الخبير الاقتصادي جورج خزام أن الأصناف الأكثر طلبًا في السوق كانت محصورة بفئة معينة، مثل العلف، ألواح الطاقة الشمسية، وتجارة المعادن والخردة، التي كانت تسيطر عليها الفرقة الرابعة التابعة للجيش السوري بقيادة ماهر الأسد. من كان يتجرأ على شراء هذه السلع بعيدًا عن سيطرة الفرقة الرابعة كان مهددًا باتهامات تتعلق بتجارة المعادن لصناعة السلاح، مع عقوبات تصل للسجن والغرامات.
من جانبه، أشار الصناعي الدكتور مازن ديروان إلى أن العديد من الشخصيات السورية كانت تعمل مع ماهر الأسد في مجالات مثل الدخان وتجارة المولات، بالإضافة إلى متورطين آخرين كانوا يتعاونون مع إيران وحزب الله في سوريا.
واستعرض تاجر سوري، رفض ذكر اسمه، معاناته مع النظام السابق، مشيرًا إلى كيفية تغيير القوانين بين الفينة والأخرى، مما يعرض التاجر لمشاكل مع الحكومات. كما تطرق إلى موضوع الرشاوي التي كانت تُدفع لضمان استمرار الأعمال في السوق، حيث كان ماهر الأسد وشخصيات أخرى مثل يسار إبراهيم يحصلون على أموال ضخمة مقابل السماح للتجار بالاستمرار في عملهم.
وأظهرت بيانات البنك الدولي أن الناتج المحلي الإجمالي لسوريا انخفض بنسبة تزيد عن 50% بين عامي 2010 و2020، فيما تم تصنيف سوريا كدولة منخفضة الدخل منذ عام 2018. كما ارتفعت معدلات الفقر، حيث يعاني 69% من السكان من الفقر، أي نحو 14.5 مليون سوري.
النظام السوري كان يلوم العقوبات الغربية على الوضع الاقتصادي المتدهور، لكنه كان يغض النظر عن الفساد الذي كان يتم من خلاله دعم الاحتكار بقرارات مثل “ترشيد الاستيراد” والتي استفاد منها المحسوبون على النظام.
متابعة مصدر