
جدل واسع حول مطالب المجلس العلوي بالإفراج عن معتقلين متورطين بجرائم النظام السابق
تصاعدت موجة من الغضب والاستنكار في الأوساط السورية بعد مطالب المجلس العلوي بالإفراج عن معتقلين، بمن فيهم أولئك المتورطون في جرائم النظام السابق. هذه المطالب قوبلت برد حاسم من مجلس المعتقلين والمعتقلات السوريين The Syrian Detainees Council (SDC)، الذي شدد على رفض أي محاولة لتبييض سجل المجرمين، مؤكدًا أن العدالة والمحاسبة ليست قابلة للتفاوض.
وبحسب مجلس المعتقلين، فإن المشكلة الأساسية ليست في وجود معتقلين اليوم، بل في مصير آلاف السوريين الذين اختفوا قسريًا على يد النظام السابق. فمن أصل 1.5 مليون معتقل، أُطلق سراح معظمهم، لكن هناك 300 ألف شخص لا يزالون في عداد المفقودين، دون أي معلومات عن مصيرهم. وأكد البيان أن هؤلاء ليسوا مجرد أرقام، بل ضحايا لنظام مارس الاعتقال التعسفي، التعذيب، والإخفاء القسري على نطاق واسع.
وشدد المجلس على أن محاسبة المتورطين في هذه الجرائم لا تعني الانتقام، بل تحقيق العدالة، مؤكدًا أن أي متهم يجب أن يخضع لمحاكمة عادلة وعلنية، بغض النظر عن انتمائه الطائفي أو السياسي. كما أشار إلى أن القضاء وحده هو المخوّل بالنظر في هذه القضايا، وليس أي مفاوضات سياسية أو تفاهمات هدفها تجاوز المحاسبة.
في ظل هذه المواقف، أثيرت تساؤلات حول مدى جدية بعض الأطراف في تحقيق المصالحة الوطنية، إذ كيف يمكن الحديث عن مصالحة بينما يتم المطالبة بالإفراج عن أشخاص متورطين في التعذيب والقتل، دون أي مساءلة؟ يرى كثيرون أن هذا النهج يعكس ازدواجية في المعايير، حيث يطالب المجلس العلوي اليوم بالإفراج عن معتقلين متورطين، بينما كان في السابق يرفض أي نقاش حول المعتقلين الذين سُجنوا ظلماً تحت ذريعة “محاربة الإرهاب”.
الغضب الشعبي تجاه هذه المطالب كان واضحًا في تعليقات كثيرة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبر السوريون عن رفضهم القاطع لأي محاولة لتجاهل الجرائم التي ارتُكبت بحقهم. أحد التعليقات قالت: “أولادكم لم يمضِ عليهم شهران في السجن، حيث يُعاملون باحترام لأننا نخاف الله، بينما نحن عشنا 14 عامًا من القتل، الذبح، السجن، والتعذيب، وحتى الإذابة بالأسيد! من منحكم الحق لفعل ذلك بنا؟ والآن تطالبون بالإفراج عن أبنائكم؟ والله إنكم لا تخجلون! لو لم يكن لدينا إيمان بعدالة الله، لأخذنا حقنا بأيدينا، لكننا نعلم أن الله سينتقم لنا منكم ومن أولادكم!”.
تعليق آخر لنور الشام تساءلت فيه عن ازدواجية موقف المجلس العلوي قائلة: “لماذا لم نسمع صوتكم عندما كنا نطالب بمحاكمات عادلة لكل المعتقلين؟ ألم تكن تُصِفونهم بالإرهابيين؟”.
كما عبرت إحدى الناشطات عن حجم الألم الذي عانته العائلات السورية قائلة: “أين كان صوتكم عندما أخذوا أولادنا من الشوارع والبيوت دون أي ذنب، بحجة أنهم إرهابيون؟ انتظرناهم 11 عامًا، وفي النهاية لم نحصل إلا على ورقة شهادة وفاة! أصبح الأطفال أيتامًا، النساء أرامل، والأمهات يعشن جرحًا لا يوصف! لماذا لم تدعمونا حينها؟ لماذا لم تطالبوا بأولادنا؟”.
هذه الردود تعكس حالة الرفض الشعبي لمحاولة فرض معايير مزدوجة للعدالة، حيث لا يمكن المطالبة بالإفراج عن متورطين في جرائم النظام السابق، في وقت لم تتم فيه حتى الآن محاسبة المسؤولين عن عشرات الآلاف من حالات الاعتقال والتعذيب والاختفاء القسري. يرى الكثيرون أن الحديث عن العدالة الانتقالية والمصالحة لا يمكن أن يتم دون تحقيق محاسبة حقيقية، وأن أي خطوة باتجاه التسوية السياسية يجب أن تتضمن كشف الحقيقة ومحاكمة الجناة، بدلًا من محاولة حماية بعضهم بدعوى التهدئة.
في ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال الأهم: هل ستستمر هذه المطالب في محاولة التغطية على جرائم الماضي، أم أن العدالة ستأخذ مجراها، بغض النظر عن الضغوط السياسية والطائفية؟
؟
؟
؟
متابعة مصدر