الهروب إلى الأمام (١) … عبد الرحمن زغيّر

 

إذا كان لمجنون واحد القدرة على أن يريك العجب، فما الذي ستراه إذا اجتمع المجانين؟ هذا حال نتنياهو الذي وجد ضالته في ترامب.

رجل مجنون يبارك لرجل مجنون، فيغدو العالم كله على طاولة رهان. نتنياهو الذي استغل حرب غزة لمصلحته الشخصية أولًا، ثم لمصلحة إسرائيل ثانيًا، خرج من الحرب بخيبة أمل.

وبالأمس يجددها بكل دموية. إذ خرج بعد نهاية طوفان الأقصى يسمع سكاكين المعارضة والشارع الإسرائيلي تُسَنُّ عليه، فما كان منه إلا أن بدأ بالتهويش يمينًا وشمالًا، محاولًا التحرش بأي شيء. يدور كالبلطجي بتصريحاته وآلته العسكرية من بلد إلى بلد ومن منبر إلى منبر.

ما إن سقط النظام على يد الثوار السوريين حتى بدأ بقصف البنية التحتية السورية ومقدراتها العسكرية، دون أن يصدر من الثوار أي سوء نية أو تهور تجاه إسرائيل، ولكنه يريد استفزاز الثوار لعلهم ينجرون إلى حرب معه تطيل عمره السياسي، وتعطيه مبررات ليهمل مواطنيه بقوانين الحرب، ويعطيه في الوقت نفسه نشوة فرد العضلات أمام المتطرفين المحيطين به كالمعقد نفسيًا.

مع هذا، نرى الحكومة السورية تتعامل بأعلى درجات ضبط النفس والحكمة في هذا الملف، مع احتفاظها بعزة نفس لا تنفر مؤيديها منها.

المشكلة أن نتنياهو كالمهرول في الرمال المتحركة، كلما هرول أكثر غاص فيها أكثر دون أن يتقدم خطوة. وسيستمر بهذه الاستفزازات التافهة إلى أبعد حد يستطيعه. ولكن ما هو هذا الحد؟ وأين وكيف سينتهي؟

إن نجح نتنياهو في هذا الاستفزاز وانطلقت شرارة مواجهة رسمية بينه وبين الحكومة السورية الجديدة، فإن أحدًا لا يعلم كيف ستنتهي الأمور، ولكنها لن تنتهي بخير بالنسبة لإسرائيل أولًا، خصوصًا لو فشلت الوساطات العربية في وأدها. ستكون أقسى حرب استنزاف تدخلها إسرائيل في تاريخها.

إسرائيل التي فشلت في القضاء على حماس في مساحة أصغر من أصغر محافظة سورية، عليها مواجهة دولة فيها سلاح أكثر من البشر.

ستقلع الطائرات لتقصف أهدافًا مدمرة بالفعل، ولتدمر شبكة كهرباء مدمرة بالفعل. ستتوغل بريًا في أرض لم تعهدها وتعرفها، ليخرج لها الموت من كل جانب. اسرائيل لن تخرج منتصرة من هذه الحرب إن وقعت، سيدعون ككل مرة أنهم انتصروا إلا أنهم وككل مرة يدقون المسامير بنعش دولتهم المزعومة.
ستحاول اسرائيل دفع الدروز في المقدمة، ولكنهم سيكونون أمام خيارين أحلاهما مر: إما أن يوافقوا ويكونوا وقود حرب هم الخاسر الأكبر فيها، وسيستمرون بالموت لأجل كرسي نتنياهو إلى أجل غير مسمى، محولين أنفسهم إلى الفئة الخائنة المنبوذة في المجتمع.

وهكذا يكونون قد دفعوا مرتان ثمن بضاعة لم يستلموها بعد. أو أن يرفضوا، وهنا سيقوم نتنياهو بتحميلهم فشله ووصمهم بالخيانة وصب جام غضبه على دروز الداخل، ليخلق ليهود إسرائيل فزاعة جديدة بجانب حماس، لزيادة تهويد الدولة. وهكذا يكون الدرزي قد دفع ثمن بضاعة فقط لأنه تفرج عليها.

ساحل سوريا سيفرح في أول يومين للحرب، ليغرق بعدها بدماء لا يعلم أحد متى وكيف ستتوقف. قد يبدو في البداية أن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من الرابحين القلائل في الحرب، فعلاقتها الجيدة بإسرائيل مع بعدها عن الحدود يعطيها شيئًا من الأفضلية، ولكنها ستتفاجأ أنها ضحت بهدوء ممكن فيه الكثير من المكاسب مقابل فوضى عارمة لا تنتهي، فستصبح حينها هدفًا مشروعًا للجميع من تركيا والحكومة السورية والقبائل العربية.

إيران ومحورها سيكونون وللمرة الأولى في تاريخهم في صف إسرائيل علنًا، الأمر الذي سيسقط عنهم ورقة التوت الذابلة مسبقًا. تركيا والسعودية سيحتارون بين قوة إقليمية كبيرة مدعومة من قوى عالمية وهي إسرائيل، وبين استثمار دسم يحقق للدولتين الكثير من المصالح وهي سوريا.

حتى لو اختاروا إسرائيل، سيكون على إسرائيل أن تدفع هذه المرة لقاء التنازل عن هذا الاستثمار. أمريكا صديقة إسرائيل الكبرى بقيادتها المتهورة قد تقف لحظة قبل الدخول في المجهول السوري وتفكر: ما هذه الحرب؟ وما هدفها؟

ولماذا علي أن أدفع فواتير حروب غير منطقية في الوقت الذي انسحبت فيه من دعم حروب منطقية فيها مصلحتي ومصلحة حلفائي؟

إن أوصل نتنياهو الاستفزاز إلى مرحلة الانفجار، فلن يتحدث حينها أحد عن أثر أجنحة الفراشة، بل سيكون الحديث عن أجنحة التنين، فالأمر إما أن يُلجم سريعًا وبتوبيخ لكل الأطراف أولهم نتنياهو، أو سيدخل الجميع في مراهنة معقدة جدًا لا يستبعد أبدًا أن تكون شرارة حرب عالمية أو على الأقل إقليمية.

إن رُجِّح الخيار الأول، فإن نتنياهو ساقط داخليًا لا محالة، وسيسقط معه فريق الصقور المتطرفين، وقد نرى حزب العمل في السلطة بعد سنوات من الانقطاع، وستحاول هذه الحكومة الجديدة أن تبعد عنها شبح التشبه بنتنياهو، وسيكون هناك إعادة تقييم لمجمل سياسات الكيان بما فيها سياسته تجاه القطاع والضفة.

استمرار نتنياهو بالتجبر والظلم والعربدة هو كاستمرار بشار بهم بعد أن شعر أنه منتصر، وعلى نتنياهو أن يتعلم من نهاية بشار شيئًا ما.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى