حسيبة عبد الرحمن … ذاكرة امرأة سورية كسرت الصمت والسجن

في حلقة مؤثرة من بودكاست بتوقيت دمشق، أطلت الكاتبة والروائية والمعارضة السورية حسيبة عبد الرحمن لتروي فصولاً من سيرة شخصية وسياسية مثقلة بالتجربة، بدأت في كفرسوسة الدمشقية، وانتهت برحلة نضال ضد الاستبداد، أدبية وسياسية، استمرت حتى سقوط النظام السوري.

من بيئة دمشقية محافظة ذات طابع إسلامي شعبي، خرجت حسيبة لتشق طريقها المختلف، رغم ابتعاد أسرتها عن السياسة.

لكن طفولتها تفتحت على نقاشات حول انقلاب حافظ الأسد وزيارات الضباط، مما شكّل نواة وعي مبكر سرعان ما ترجمته في انخراطها السياسي، إذ كانت في الخامسة عشرة من عمرها مسؤولة عن الوحدة النسائية في “شبيبة الثورة”.

إلا أن شعورها المتنامي بالظلم، وصداقاتها مع شبان فلسطينيين معارضين، دفعتها إلى الانقلاب على النظام، والتحاقها بالحركة اليسارية، تحديدًا “حزب العمل الشيوعي”.

سجن وتنكيل… وصراع على الكرامة

في أواخر 1979، اعتُقلت حسيبة بتهمة الانتماء لحزب العمل. تعرّضت لتعذيب قاسٍ في فرع التحقيق العسكري بدمشق، تلاه سجن النساء، حيث عايشت “الكرسي الألماني”، والجلد بالكابلات، والصدمات الكهربائية، والحرمان من النوم.

فقدت حاسة التذوق ستة أشهر نتيجة التعذيب، وكانت تنام على الأرض في الممر، غير مبالية بالألم، كما روت. أفرج عنها بعد أربعة أشهر، في سياق حملة إخلاء السجون من معتقلي اليسار استعدادًا لمواجهة “الطليعة الإسلامية المسلحة”.

لكن الاعتقال الأول لم يكن الأخير. بين الثمانينيات والتسعينيات، تكرر اعتقالها، وداهمت قوات الأمن منزلها مرارًا، خاصة بعد وفاة والدها. لم يتبق في المنزل إلا والدتها المسنة وشقيقتها شبه الكفيفة، بينما ظلت هي هدفًا دائمًا للأمن.

من بين محطات اعتقالها، تبرز حادثة حين فُوجئت بزيارة والدتها وشقيقتها رغم منع الزيارات. حاول مدير السجن منع اللقاء بعنف، فصفعته حسيبة أمام الجميع، في مشهد أربك السجّانين.

ردّت المعتقلات بإضراب عن الطعام دام 13 يومًا، قوبل بتجاهل النظام وسخريته: “البنات المضربات؟!”، في مفارقة فاضحة بين تعامله مع الرجال والنساء.

مواجهة مع عاطف نجيب

لم تكن المواجهة مع السلطة فقط عبر التعذيب أو المحاكمات. بل حتى في التحقيقات، كانت حسيبة جريئة.

حين اتهمها ضابط الأمن السيئ الصيت عاطف نجيب بمحاولة تهريب رسالة حزبية في فمها، وهاجم الاشتراكية، ردت عليه بقوة: “إذا بدك تضل تسب اشتراكيتي، حافظ الأسد تبعك بحطو تحت صرمايتي”.

صدم نجيب، بينما راقب مدير السجن المشهد وقد تنفس الصعداء لمرور الموقف بـ”كفين بس”، على حد تعبيره.

وثّقت حسيبة عبد الرحمن تجربتها الحياتية والسياسية في روايات تُعد من أبرز أدبيات السجن السياسي النسائي في سوريا.

روايتها “الشرنقة” تعد من أوائل الأعمال التي تناولت الاعتقال من منظور نسائي. في “تجليات جدي الشيخ المهاجر”، قدمت معالجة سردية لمسألة الطائفة والذاكرة الشفهية، فيما خاطبت القهر الاجتماعي والسياسي في “السماق المر”.

؟

مصدر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى