
تبديل العملة السورية … خطوة إصلاحية أم إعلان ولادة جديدة؟
في تحول لافت على الساحة المالية السورية، يعود مقترح إصدار عملة سورية جديدة وحذف ثلاثة أصفار من الليرة القديمة إلى دائرة الضوء، بالتزامن مع تعيين حكومة جديدة وإدارة جديدة للمصرف المركزي. المقترح الذي ظل مطروحًا منذ سقوط النظام السابق، يُنظر إليه اليوم كفرصة تاريخية لإعادة هيكلة الاقتصاد، واستعادة الثقة بالنظام النقدي.
رغم الحديث المتكرر عن “أزمة سيولة”، إلا أن خبراء اقتصاديين يؤكدون أن المشكلة الحقيقية تكمن في غياب الثقة بالمصارف، ما دفع السوريين إلى سحب أموالهم والاحتفاظ بها نقدًا خارج النظام المالي الرسمي.
تدخلات أمنية، وابتزازات مالية، وتضييق على الحريات الاقتصادية، كلها عوامل أدت إلى انهيار العلاقة بين المواطن والمؤسسة المصرفية خلال سنوات حكم النظام السابق، وجعلت من العودة إلى النظام المالي تحديًا معقدًا.
ما الذي يقدمه إصدار عملة جديدة؟
بحسب آراء خبراء تحدثوا لـ”الاقتصادي”، فإن طرح عملة جديدة مع حذف ثلاثة أصفار قد يُحدث تحولًا حقيقيًا، إذا ما تم ضمن إطار إصلاحي شامل. أبرز الأهداف المتوقعة تشمل:
-
إعادة الأموال إلى الدورة الاقتصادية الرسمية عبر إجبار من يحتفظ بالنقد على الإفصاح عنه خلال مهلة استبدال محددة.
-
تحسين صورة العملة السورية داخليًا وخارجيًا، وتعزيز الثقة بها.
-
تضييق الاقتصاد غير الرسمي والسوق السوداء.
-
مكافحة عمليات غسل الأموال من خلال تدقيق مصادر الكتلة النقدية المستبدلة.
-
استعادة الثقة بالمصارف إذا رافق الإجراء إصلاح مؤسسي فعلي.
هل تنجح التجربة السورية كما حدث في دول أخرى؟
تستند الدعوات لتبديل العملة إلى تجارب ناجحة في بلدان مثل تركيا والبرازيل وألمانيا، حيث ترافق الإصلاح النقدي مع إجراءات اقتصادية شاملة، أدت إلى استقرار الأسواق وتعزيز صورة الدولة.
في تركيا مثلًا، أدى حذف 6 أصفار من الليرة عام 2005 إلى استقرار نقدي وعودة ثقة المستثمرين، بينما أطلقت البرازيل “الريال” ضمن خطة متكاملة في 1994، فتراجعت مستويات التضخم وبدأ الاقتصاد بالتعافي.
هل الوقت مناسب؟
يرى مراقبون أن اللحظة السياسية والاقتصادية الحالية، مع وجود إدارة مصرفية جديدة، تُعد مثالية لاتخاذ قرار كهذا. إلا أنهم يحذرون من أن غياب إصلاح حقيقي في بنية المؤسسات سيحوّل الخطوة إلى مجرد “تغيير شكلي”.
الشروط الأساسية لنجاح هذه الخطوة بحسب الخبراء تشمل:
-
استقلال فعلي للمصرف المركزي.
-
إصلاح القطاع المصرفي وضمان حماية الودائع.
-
بيئة قانونية واقتصادية مستقرة.
-
إنهاء التدخلات الأمنية في الاقتصاد.
العملة الجديدة… بُعد رمزي أيضاً
لا تقتصر أهمية إصدار عملة جديدة على البعد المالي فقط، بل تشمل أيضًا رمزية سياسية ومعنوية. فمن شأنها أن تُزيل الصور والرموز المرتبطة بعقود من الحكم الاستبدادي، في خطوة تُعيد تعريف الهوية الوطنية والاقتصادية لسوريا الجديدة، كما حدث في العراق بعد 2003 عندما أُلغيت صور صدام حسين من الأوراق النقدية.