العدالة الرقمية تبدأ : دعوات لإلغاء نظام باقات الـ ADSL المحدودة في سوريا

في ظل التحول المتسارع نحو المجتمع الرقمي، بات الإنترنت حاجة أساسية لا تُستغنى عنها في حياة الأفراد والمؤسسات على حد سواء، يبرز السؤال حول مدى عدالة نظام الباقات المفروض حالياً على خدمة الـADSL في سوريا.

نظام تقييد حجم الاستهلاك -الباقات-  الذي استبدل الإنترنت المفتوح لسنوات، أعاد إلى الساحة نقاش “العدالة الرقمية” ودور الدولة في تأمينه.

تكمن المشكلة الأساسية في أن تقنية الـADSL، رغم كونها الأبطأ مقارنةً بالألياف الضوئية وشبكات الجيل الرابع والخامس، تُقدَّم اليوم كأساس يُحسب مستخدمه على كل ميغابايت يستهلكه.

وحين تضيق السرعات أحياناً إلى حدود تعيق أبسط الأنشطة-كالاطلاع على البريد الإلكتروني أو حضور محاضرة عبر الإنترنت-يتحول هذا القيد إلى حاجز فعلي أمام طلبة الجامعات والمهنيين العاملين عن بعد وأصحاب المشاريع الصغيرة، فضلاً عن المواطنين الراغبين في الوصول إلى الخدمات الحكومية الإلكترونية.

مصطلح “العدالة الرقمية” لا يكتفي بتوفير الوصول إلى الإنترنت فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى ضمان تكافؤ الفرص في استخدام التكنولوجيا والتمتع بسرعةٍ معقولة وتكلفة عادلة. وهو امتداد لحقوق الإنسان في العصر الرقمي، حيث أصبحت المعرفة والتعليم والعمل والتواصل رهينين بالشبكة العنكبوتية. وعندما يواجه شريحة واسعة دخلها محدوداً نظام باقات مقيداً، نكون عملياً نحرمها من هذه الحقوق، ونوسع الفجوة الرقمية داخل المجتمع.

المشهد في سوريا يتسم بتفاوتٍ كبير؛ ففي الوقت الذي يستطيع فيه البعض تحمل تكاليف اتصال ثابت ومستقر، يجد آخرون أنفسهم مضطرين لتقنين استهلاكهم أو التخلي عن الإنترنت تماماً. هذا التفاوت لا يفرّق بين “متصلين” و”محرومين” فحسب، بل يرسّخ فجوة في فرص التعليم والعمل والمشاركة المدنية.

استناداً إلى تجارب دول عدة، فإن خدمة الـ ADSL غير معرضة للاستهلاك المفرط بنفس قدر تعرض تقنيات أعلى سعة لضغطٍ زائد. وعليه، يُشكّل العودة إلى نظام الإنترنت المفتوح ليس ترفاً بل تصحيحاً لمسارٍ خاطئ، يدعم النمو الرقمي ويحفّز حرية التفاعل مع المحتوى، إلى جانب تعزيز التعليم عن بُعد وريادة الأعمال الرقمية والخدمات الحكومية الإلكترونية.

إن إعادة النظر في نظام الباقات على خدمة الـ ADSL لا يقتصر على مصلحة فئة بعينها، بل هي خطوة استراتيجية نحو تحقيق تحول رقمي حقيقي، وضمان العدالة الرقمية التي لا غنى لأي رؤية تنموية أو إصلاحية عنها.

 ولعل ابسط اشكال العدالة الرقمية تبدأ من تمكين الجميع من الاتصال لا بمنعهم عنه.

ففي هذا العصر، من يفتقد حقّه في الاتصال يُحرم من فرصٍ لا تُعدّ ولا تُحصى.

؟

محمد العلي – مصدر – الرياض

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى