عبد الباسط الساروت : حارس الكرامة والثورة … علا ابو صلاح

ربما لم يُجسّد أحدٌ سيرة الثورة السورية ببهائها وتراجيديتها كما فعل عبد الباسط الساروت، الشاب الذي خرج من مرمى نادي الكرامة في حمص ليحرس آمال جيلٍ كامل في الحرية، ويصبح لاحقاً أيقونة شعبية بصوتٍ شجيّ وأغانٍ هادرة، وقامةٍ لم تنحنِ رغم كل ما انكسر من حوله.

وُلد عبد الباسط عام 1992 في حي البياضة بمدينة حمص، وشبّ حارساً في نادي الكرامة ومنتخب سوريا للشباب، لكن صافرته الحقيقية لم تكن من حكمٍ في ملعب، بل من نداءٍ للكرامة والحرية في شوارع الثورة. بصوته الأجشّ وحسّه الوطني الجارف، صعد على أكتاف الجماهير التي لطالما صفّقت له في الملاعب، فصارت تصفق له في الساحات.

مع بداية الثورة السورية عام 2011، كان الساروت في طليعة من قادوا المظاهرات في أحياء حمص. رافق الفنانة الراحلة فدوى سليمان في مشهدٍ نادر للوحدة الوطنية، حيث اجتمع ابن البياضة السنّي مع ابنة الطائفة العلوية العلمانية، ليشكّلا معاً صورة حلمٍ سوريٍ جميل سرعان ما طوّقه الرصاص والتخوين والطائفية. في الفيلم الوثائقي “وعر”، لخّص الساروت موقفه بقوله: “نحنا منا عبيد إلا لرب العالمين”، مجسّداً ببساطة موقفاً أخلاقياً وإنسانياً في مواجهة الاستبداد.

ومع تصاعد القمع وبدء التحوّل إلى العسكرة، حمل الساروت السلاح لا بحثاً عن سلطة، بل دفاعاً عن أهله وأحلامه التي كانت تُسحق تحت البراميل والقصف اليومي. أسّس “كتيبة شهداء البياضة” وخسر فيها أصدقاءه وإخوته الأربعة، ومعهم بعضاً من براءته. لكنه لم يتوقّف عن الغناء. صوته المبحوح في “يا وطنّا يا غالي” و”صامدين يا وطنّا” ظلّ شاهداً على وجع مدينة محاصَرة، وعلى مقاومة لم تُهزم رغم خنقها.

بعد خروجه من حمص عام 2014، تاه الساروت في جغرافيا الثورة المتشظّية. مرّ بلحظاتٍ لبس فيها الرايات السوداء، واتُّهِم بالتطرّف، لكنه لم يُفارق روحه الأولى. عاد في 2018 إلى إدلب، مغنّياً وهادراً بين الحشود، مؤكداً تمسّكه براية الثورة، حتى في وجه جماعاتٍ حاولت اختطافها.

التحق أخيراً بفصيل “جيش العزة” ليقاتل على مشارف حماة، في أقرب نقطة نحو حمصه التي لم ينسها. وهناك، في معركة كفرنبودة عام 2019، سقط الساروت مقاتلاً عن عمرٍ لم يتجاوز السابعة والعشرين، لتكتمل ملحمة بدأت في مرمى كرة القدم وانتهت على جبهة حرب. لم يكن قديساً ولا مثالياً، بل إنساناً بكل ما تحمله الكلمة من معنى: مزيج من الشجاعة والعفوية، من الحماسة والخطأ، من الحب والغضب. لكنه كان وفياً لما آمن به، وصادقاً في كل انفعالاته.

في زمنٍ كثرت فيه الرايات وتبدّلت الأهداف، بقي الساروت رمزاً نادراً لثورةٍ أرادت استعادة الكرامة الإنسانية. غنّى كما يقاتل، وقاتل كما يغني. حمل همّ مدينته وجيله، وعاش ومات وهو يطلب “الموت ولا المذلة”.

في الذكرى السادسة لاستشهاده، التي تأتي هذا العام بعد انتصار الثورة السورية، لروحه السلام، ولصوته الصدى الذي لن يخبو.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى