
“بوليفارد النصر” في حمص … مشروع استثماري على أرض متنازع عليها
وسط غياب أي إعلان رسمي، بدأت لوحات دعائية بالظهور في شوارع حمص، تروّج لانطلاق مشروع عقاري يحمل اسم “بوليفارد النصر”، تتبناه شركة “العمران للتطوير العقاري”، المملوكة لرجل الأعمال السوري رفاعي الحمادي، المقيم في الخليج. ورغم عدم صدور بيانات حكومية أو تفاصيل قانونية ومالية واضحة، أثار المشروع جدلًا واسعًا بين أبناء المدينة، خاصة أنه يُقام على أراضٍ موضع نزاع قانوني وتاريخي.
المشروع، وفق اللوحات الترويجية، يمتد من شارع نزار قباني إلى منطقة الميماس، مرورًا بسوق الهال والقرابيص، ويشمل وحدات سكنية وتجارية ومرافق ترفيهية. اللافت، بحسب مراقبين، هو اختيار مناطق لم تتضرر بشكل كبير خلال سنوات الحرب، مقابل تجاهل أحياء مثل الخالدية، بابا عمرو، البياضة، وجورة الشياح، التي كانت في قلب الحراك الشعبي وتعرضت لدمار شامل وتعيش اليوم أوضاعًا مأساوية، من دون خطة واضحة لإعادة تأهيلها.
ملكية متنازع عليها
الموقع المعلن للمشروع يضم أراضي خضعت للحجز منذ الثمانينيات، حين فُرض استملاكها بهدف إنشاء “حديقة الشعب”، دون تنفيذ فعلي أو تعويض ملائم. وما تزال ملكية الكثير منها قيد النزاع القضائي حتى الآن، وتعود لعائلات حمصية معروفة مثل: آل الحسيني، الأتاسي، الجندي، السباعي، النجار، الكيكار، كلاليب، الضاهر، دامس، الأعرج، العمر، الخالد، عبّارة، الكيال، حجازي، وغيرها.
الناشط عبد الرحمن عبّارة وصف المشروع بأنه “استحواذ قديم مغلف بواجهة استثمارية”، مؤكدًا أن إطلاقه دون حسم النزاعات القانونية يشكّل خرقًا لحقوق الملكية، ويفتح بابًا لتكرار أنماط الإقصاء السابقة.
……………………………..
مالكو الأراضي : نطالب بالشراكة لا الإقصاء
أحد أصحاب الأراضي المتضررة عبّر لـ”مصدر” عن استغرابه من المضي في المشروع دون إشعارهم أو استشارتهم، قائلًا:
“منزلي قائم، وقد أعدتُ تأهيله بعد التحرير، لكن المشروع يُطرح وكأننا غير موجودين. لم نتلقَّ أي إخطار، ولا نعرف على أي أساس قانوني يُبنى.”
وأكد رفضه لفكرة التعويض بشقق بديلة، معتبرًا أن العدالة تقتضي تحويل الأملاك إلى أسهم في المشروع، أو ضمان شراكة عادلة تعوّض المتضررين بحق، لا استملاكًا قسريًا كما فعل نظام الأسد البائد.
تتباين الآراء بين مؤيد ومعارض. فبينما يثير غياب المعلومات والشفافية مخاوف قانونية، يرى آخرون في المشروع فرصة اقتصادية.
المهندس المعماري أنس ديوب أشار إلى أن “بوليفارد النصر يشكّل فرصة لإحياء وسط حمص وخلق بيئة حديثة، شرط أن يُدار بشفافية تضمن حقوق السكان، لا أن يُستخدم كوسيلة لطمسهم.”
في المقابل، شدّدت الناشطة والأكاديمية د. ريم تركماني على أن المشروع طُرح دون تمثيل حقيقي للمالكين، ما يثير القلق من تعميق سياسات الإقصاء العمراني، مطالبة بآليات رقابة مستقلة وتمثيل قانوني لأصحاب الحقوق.
تحرك قانوني لمواجهة التهميش
بدأ عدد من مالكي الأراضي المتضررين بجمع وثائق ملكيتهم، للتحضير لمقابلة محافظ حمص عبد الرحمن الأعمى، بهدف طرح مطالبهم ووقف أي إجراءات تُتخذ دون إشراكهم. ويأمل المالكون في التوصل إلى تسوية تضمن حقوقهم كشركاء، لا كضحايا لإعمار انتقائي.
وحصلت “مصدر” على قائمة بأسماء بعض من المالكين الأصليين للأراضي التي يُقام عليها مشروع “بوليفارد النصر”، وتُظهر الوثائق تملكهم لمساحات متفاوتة، ما يؤكد أن المشروع يُقام على أراضٍ ذات ملكيات خاصة لا تزال محل نزاع. ومن بين الأسماء:
-
عائلة الزهراوي: 24 دونمًا
-
عبّارة: 20 دونمًا
-
دامس: 17 دونمًا
-
الجندي: 15 دونمًا
-
حجازي: 14 دونمًا
-
آل كلاليب: 10 دونمات
-
غفور السباعي: 9 دونمات
-
الخالد والنجار: 7 دونمات لكل منهما
-
حصرية وعزو إبراهيم كيكار: 6 دونمات لكل منهما
-
آل العمر والأعرج: 5 دونمات
-
آل الكيال والضاهر: 4 دونمات
-
آل ملوك: 2.5 دونم
-
آل سخاتير: 1.25 دونم
-
السباعي (حج آمين): 2 دونم
-
الأتاسي: 12 دونمًا …….
هذه الأسماء تؤكد أن المشروع لا يمكن فصله عن خلفيات قانونية وشخصية معقّدة، ما يُحتّم النظر في مسألة الملكيات بعناية قبل المضي بأي خطوات استثمارية، تحت طائلة المساءلة القانونية والاجتماعية.
أحياء مدمّرة خارج المخطط وغياب للمعلومات
تُطرح تساؤلات حول سبب تجاهل الأحياء الأكثر تضررًا من قصف نظام الأسد خلال الثورة السورية، رغم أنها الأولى بأي خطة إعادة إعمار عادلة. ففي حين تُضخ الاستثمارات في أحياء سليمة نسبيًا، يعيش آلاف السكان في مناطق مدمّرة من دون أي تعويض. ويخشى ناشطون أن يتحول المشروع إلى مجرد واجهة تجميلية تُغطي عمق المأساة في المدينة.
حتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم تُصدر شركة “العمران” أي بيان رسمي، كما لم تُعلن الجهات الحكومية السورية عن توقيع عقود أو صدور رخص بناء. وغابت عن اللوحات الإعلانية أي معلومات قانونية، مثل رقم الرخصة أو الجهة المصادقة، ما يثير تساؤلات جدية حول شرعية المشروع ومرجعياته.
جهات رسمية محلية أفادت لـ”مصدر” بأنها لا تملك أي معلومات عن المشروع، ما يعمّق الغموض المحيط به ويطرح علامات استفهام حول كيفية إطلاق مشروع بهذا الحجم دون إطار قانوني واضح.
مشروع على أرض رخوة
في هذا المشهد الضبابي، يقف “بوليفارد النصر” على أرض رخوة. فبينما يُقدَّم كفرصة استثمارية، يراه البعض محاولة لتجاوز العدالة، وتكريس واقع لا يعكس معاناة المدينة الحقيقية.
إن أي مشروع إعمار في حمص يجب أن يبدأ من الأحياء المدمّرة فعليًا، وأن يُبنى على أساس الشفافية، والاعتراف بالحقوق، والشراكة مع المتضررين، لا على تغييبهم.
علا ابو صلاح – مصدر – خاص



