
بسمة شيخو.. حين تبصر الشِعر في تفاصيل الحياة وتخزنه في الذاكرة كشهادة وجود
في عالمٍ لم يعد يصغي للشعر كما كان، تنبثق أصوات تعيد له حضوره ومكانته، لا بصوت مرتفع، بل بنصٍّ ناعم، نافر، صادق، يخترق الزيف ويترك أثره. من هذا النوع صوت الشاعرة والفنانة التشكيلية بسمة شيخو، التي اختارت أن تعيش الشعر لا أن تكتبه فقط، وأن ترى فيه طريقتها لفهم العالم، والاحتجاج عليه حيناً، ومصافحته حيناً آخر.
الطفلة التي بدأت بديوان مرسوم الغلاف
لم تنتظر بسمة شيخو أن “تُكتشف”، فهي التي رسمت غلاف ديوانها الأول بيديها، وأطلقت عليه اسم “ديوان شعر”، في عمر لم يتجاوز العقد الأول. نبوءة مبكرة، بدأت من بيتٍ يُشبه المكتبة، وأبوين كانا يضعان الكتاب على المنضدة كما يوضع الخبز على المائدة. من هناك، بدأت التكوينات الأولى لشاعرة قررت أن تكتب خارج الصناديق الجاهزة.
والدها، المثقف والقارئ، منحها الثقة والمفاتيح، ووالدتها دعمتها في الرسم والعزف، فحازت ماجستيراً في الفنون الجميلة، وانطلقت لاحقاً بين المنصات لتقرأ شعراً وتبني علاقة متينة بين الصورة والكلمة.

قصيدة النثر.. اختبار الصدق والدهشة
أحبت بسمة قصيدة النثر، ووجدت فيها مساحة تعبير حقيقية. لا تركض وراء الموسيقى، بل تفتش عن الجوهر. ترى أن هذا النوع من الكتابة لا يتحمّل التزييف، فإما أن يكون شعراً أو لا يكون. الشعر كما تراه هو “الكلمة الأخيرة العالقة في الحنجرة”، التي لا تخرج إلا إذا كانت مدوّية وصادقة.
لذلك، لا تؤمن كثيراً بالتصنيفات، كـ”الشعر النسوي”، وتراها اختزالاً لشاعرية المرأة. في قصيدتها لا تبحث عن لغة نسوية، بل عن لغة حقيقية، تمسك بتفاصيل الحرب والثورة، الحب والموت، الوجود والعدم.
خمسة دواوين..
أصدرت بسمة حتى الآن خمسة دواوين شعرية:
-
عبثٌ مع الكلمات
-
شهقة ضوء
-
آخر سكّان دمشق
-
بحرٌ يخشى الغرق
-
أبواب (قريبًا عن دار بتانة في مصر)
إضافة إلى كتابات في النقد الفني، ومجموعة قصصية لليافعين بعنوان “الرجل الذي غاب في الشمس”. وهي تعمل حاليًا على مشاريع جديدة، منها مجموعة هايكو بعنوان “فوق سحابة”، وأخرى قصصية للكبار بعنوان “خطأ مطبعي”.
شاركت في مهرجانات أدبية في الجزائر والعراق، وهناك – كما تقول – التقت الشعر وجهاً لوجه.
دمشق.. لا اسم لي سواها
لدمشق حضور خاص في كتابتها، كأنها جسدها الآخر. في إحدى قصائدها تقول:
لا اسم لي سوى دمشق
كلما ناداها أحدٌ صحتُ: من بالباب؟
وكلما أحبّها أحدٌ احمرّت وجنتاي
لا تستطيع بسمة مفارقة دمشق، فهي ابنتها “البارّة”، حتى حين تكتب عن مفاهيم وجودية أو أبعاد إنسانية، تبقى المدينة هي قلب التجربة.

الكتابة كاحتجاج ونجاة
لا تفصل شيخو بين الإبداع والموقف. كتبت عن الثورة السورية كمن يصرخ بالحبر بدل الصوت، وعبّرت في إحدى قصائدها عن عجز الكلمات أمام أعداد الشهداء، وعن خجلها من دمائهم، قائلة:
أعدّ الشهداء
أبدأ من البيت
الحيّ
المدينة
أُفٍّ للأرقام
أكرهها
أعدادهم كثيرة
والدماء بدأت تسيل بغزارة من فمي…
وفي قصيدتها “حرية” تصرخ باسمٍ أصبح محرّمًا في وطنها، تصرخ لأجل من لا يستطيعون:
أصعد للسّطح
نفسٌ طويل
أكاد معه أن أبتلع بضع نجوم
أصرخ
(حرّيّة!)
بين القصيدة واللوحة
هي لا تكتب فقط، بل ترسم، تعزف، وتُدرّس. تنظر إلى الأدب والفن كمسارات متشابكة، وتؤمن أن الشعر موجود في كل شيء: في حركة الشجر، في ضجيج العصافير، في زخم الموج.
ربما لهذا السبب، ترى أن الشعر لا يموت. ما دام هناك من يشعر، سيبقى هناك من يكتب. وبسمة شيخو، واحدة من هؤلاء الذين يشعرون إلى الحد الذي يجعلهم يكتبون وكأنهم يزرعون ظلاً في أرضٍ محترقة.
رفاه الدروبي – مصدر



