
سورية الحضارة .. وسنغافورة الصناعة : حين تصبح المقارنة ظلماً للحضارة … عبد الإله فهد
في ظل الحديث عن تحويل سورية إلى نموذج سنغافورة الحالية لابد من تبيان بعض الحقائق لتاريخ سورية والذي كانت واجهة للعالم لعدة قرون خلت .
عندما كانت سنغافورة غابةً استوائية غير مأهولة، كانت دمشق تصدر العمارة والفنون إلى قرطبة وإشبيلية. وكانت تكتب فصلاً من فصول الحضارة الإنسانية هذه المفارقة التاريخية تختزل جوهر المقارنة غير العادلة بين حضارةٍ عريقة واقتصادٍ حديث
تمتد حضارة سورية إلى الاف السنين و قد أسست عليها دول و إمبراطوريات عظمى حكمت نصف العالم خلال حكم الدولة الأموية و الذي كانت عاصمتها دمشق
وكانت سورية احد أهم الحضارات في تاريخ البشرية و رائدة على مر العصور في الزراعة و الصناعة و التجارة وهي أحد أهم المحطات في تجارة طريق الحرير
و أسست فيها أول أبجدية التاريخ في أوغاريت
يقول المؤرخ فيليب حتي: ‘لو اختفت سورية من التاريخ، لفقد العالم نصف تراثه الحضاري .
وفقاً لمتحف اللوفر، تضم سورية أكثر من 10 آلاف موقع أثري، أي ما يعادل 35% من آثار العالم القديم .
وإذا اردنا الإنصاف فإن المقارنة لدمشق تكون مع بكين و إسطنبول و اثينا و روما وباريس .
خلال زيارتي سنغافورة قبل اكثر من عشرة أعوام استطيع القول أنها كيان جغرافي هجين لا تتجاوز مساحتها 1% من مساحة سورية تستطيع مشاهدتها بالكامل تقريباً من أعلى مجمع مارينا بارك و الذي يعد المعلم الأكبر وتعتمد على البحوث و التجارب في التكنولوجيا ومينائها الذكي و سوق المال المفتوح و السياحة .
بينما سورية دولة لها تاريخ يجمع الحضارة و التجارة و الزراعة و الصناعة و العامل الأهم هو العامل البشري .
لا تُقارن الحضاراتُ بالاقتصادات، فسورية شجرةٌ جذورها في عمق التاريخ، بينما سنغافورة صُممت أن تكون ذلك .
بينما تتفوق سنغافورة في مؤشرات اقتصادية معاصرة، فإن عمق التأثير الحضاري السوري عبر التاريخ لا يقاس بمقاييس مادية بحتة ، رغم النجاح الاقتصادي لسنغافورة، فإن نموذجها لا يتناسب مع ثراء وتنوع المقومات السورية
أن سورية من خلال :
1. استثمار موقعها الجيوسياسي والذي يعد (بوابة آسيا-أوروبا) بإنشاء مناطق تجارة حرة وتحويلها إلى مركز إقليمي للتجارة والخدمات اللوجستية .
2. إحياء الصناعة و خاصة النسيجية و الغذائية و أعادةتأهيل الزراعة وتطوير صناعات تحويلية تعتمد على المواد الخام المحلية
3. إطلاق برنامج سياحي يركز على التنوع الثقافي والأثري الفريد و تحويل المواقع الأثرية إلى مشاريع اقتصادية مستدامة .
مع الأخذ بعين الإعتبار تجنب الاعتماد المفرط على رأس المال الأجنبي.
سورية ليست بحاجة لأن تكون نسخةً من أي نموذج آخر. فبمقوماتها الحضارية الفريدة وموقعها الاستراتيجي وثرواتها البشرية، تمتلك كل المقومات لتصنع نهضتها الخاصة التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة، دون أن تفقد روحها التي صنعت أمجاد الماضي وقادرة على صنع مستقبل مشرق.”
كما حوّل الأمويون الصحراء إلى حضارة، يمكن للسوريين اليوم تحويل التحديات إلى فرص. فشمس سورية التي أشرقت على أول أبجدية، قادرة على إضاءة طريق نهضة جديدة
ستشرق شمس سورية من جديد، كما أشرقت من أوغاريت قبل خمسة آلاف عام. فلن تكون نسخةً من سنغافورة، بل ستكون ما لم تستطع سنغافورة أن تكون ذاكرة العالم وقلبه النابض



