فرنسا تُلغي مذكرة توقيف بشار الأسد : انتكاسة للعدالة أمام الحسابات السيادية؟

في قرار أثار جدلًا واسعًا داخل الأوساط الحقوقية والقانونية، أعلنت محكمة النقض الفرنسية – أعلى هيئة قضائية في البلاد – إلغاء مذكرة التوقيف الدولية الصادرة بحق بشار الأسد، المرتبطة بمسؤوليته عن الهجمات الكيميائية في غوطة دمشق وريفها عام 2013، والتي أودت بحياة أكثر من ألف مدني، وفقًا لتقديرات رسمية أمريكية.

القرار جاء نتيجة طعن تقدمت به النيابة العامة ومحكمة مكافحة الإرهاب، استند إلى مبدأ “الحصانة الرئاسية” الممنوحة لرؤساء الدول.

ورغم أن محكمة الاستئناف في باريس كانت قد أيّدت المذكرة في حزيران/يونيو 2024، مشيرة إلى انتفاء هذه الحصانة بسبب عدم اعتراف فرنسا بشرعية الأسد منذ عام 2012، إلا أن محكمة النقض خالفت هذا التوجه، واعتبرت أن الحصانة لا تزال قائمة، مما أدى إلى إسقاط المذكرة.

دماء المدنيين وتوثيق الجرائم

كانت مذكرة التوقيف، الصادرة في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، قد استندت إلى ملف ثقيل من الأدلة الدامغة، شملت شهادات ناجين ومنشقين، وصورًا تثبت استخدام غاز السارين في هجمات عدرا ودوما والغوطة، التي خلفت آلاف الضحايا والمصابين.

كما اعتمد الملف على قضية مقتل المواطن الفرنسي السوري صلاح أبو نبوت في درعا عام 2017، باعتبار الأسد مسؤولًا مباشرًا عن إصدار أوامر القصف، ضمن سلسلة من الجرائم التي وثّقتها منظمات حقوقية، اتهمت النظام السوري باستهداف المدنيين عمدًا.

رغم إقرار النائب العام لدى محكمة النقض، ريمي هايتز، بعدم شرعية الأسد وسقوط الحصانة عنه وفق مبادئ القانون الدولي، إلا أن المحكمة انحازت لتفسير ضيّق للسيادة القضائية، الأمر الذي اعتبرته منظمات حقوقية “نكسة خطيرة” لمبدأ عدم الإفلات من العقاب، و”مؤشرًا سلبيًا على تسييس العدالة الدولية”.

دعوات حقوقية لمحاسبة الأسد وتسليمه للعدالة

في أعقاب القرار، جدّدت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” مطالبتها للحكومة الروسية بسحب اللجوء السياسي الممنوح لبشار الأسد، الذي فرّ إلى موسكو أواخر عام 2024 عقب سقوط نظامه، متهمة الكرملين باستخدام ملف اللجوء كغطاء سياسي لعرقلة العدالة.

وذكّرت الشبكة بالمجازر التي ارتكبها الأسد بحق أكثر من 202 ألف مدني، من بينهم 15 ألفًا قضوا تحت التعذيب، فضلًا عن حالات الإخفاء القسري التي طالت نحو 96 ألف شخص، والتهجير القسري الذي طال نصف سكان سوريا، واستخدام السلاح الكيميائي كسلاح رعب جماعي.

العدالة المؤجلة ومخاطر إفلات مجرمي الحرب

يمثل قرار إلغاء مذكرة التوقيف، في ظل سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، نقطة مفصلية في مسار العدالة الانتقالية في سوريا.

إذ تخشى جهات حقوقية أن يؤدي هذا القرار إلى تقويض جهود التوثيق والمساءلة، ويبعث برسالة سلبية إلى الضحايا، مفادها أن مجرمي الحرب يمكنهم الإفلات من العقاب بمجرد الاحتماء بشرعية شكلية أو حماية دولية.

ورغم احتفاظ القضاء الفرنسي بحق إصدار مذكرة جديدة مستقبلًا، إلا أن القرار الأخير يُبرز الحاجة الملحّة لإرادة دولية صلبة، تتجاوز الحسابات السياسية والدبلوماسية، وتعيد الاعتبار للضحايا السوريين، الذين ينتظرون منذ أكثر من عقد لحظة إنصافهم.

هل يفلت المجرم بشار الأسد من قبضة العدالة ؟ أعلى محكمة فرنسية تقول كلمتها الجمعة

؟

مرهف مينو – باريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى