
أحمد الشرع.. صوتٌ خارج العاصفة … سامي زرقة
في زمنٍ ضجّت فيه الساحات العربية بصخب الشعارات والولاءات المتناحرة، خرج أحمد الشرع، الرئيس السوري الانتقالي، ليقول جملة واحدة بحجم المرحلة: “لست امتداداً للإخوان ولا للربيع العربي، وكنت المتضرر الأكبر من داعش”..
هذه ليست مجرد براءة سياسية من جماعة أو تجربة، بل إعلان واضح عن نهاية زمن وبداية آخر.
الشرع لا يقدّم نفسه كمنقذ طوباوي، بل كصاحب مشروع واقعي.. حديثه مع وسائل إعلام عربية خلال هذا الأسبوع لم يكن عادياً، فيه ما يكفي من الرسائل لفهم معادلة الحكم الجديدة في سوريا، ليس من باب التسويات، بل من بوابة الخيارات الصعبة التي يتوجب على أي رئيس انتقالي مواجهتها.
لا إسلام سياسي.. ولا قومية شعاراتية
في عمق الخطاب، نلمس قطيعة حاسمة مع مشاريع الإسلام السياسي والقومية الشعاراتية التي سادت المشهد السوري لعقود، سواء في الحكم أو المعارضة.. الشرع لم يناور، بل حسم: “كل الأيديولوجيات فشلت. نحن نبدأ من جديد.”
هي رسالة إلى الداخل قبل الخارج: سوريا لن تعود ساحة صراع بين العسكر والتيار الديني، ولن تكون مجرد حلبة تُدار بالولاءات الخارجية.
لا تقسيم.. ولا انتقام
في حديثه لـ”سكاي نيوز”، بدت نبرة الحسم واضحة: “كل مشاريع الانفصال ستبقى أحلاماً”.
كلمة “أحلام” هنا ليست تقليلاً من المطالب المناطقية أو القومية، لكنها إشارة إلى أن الوحدة الوطنية غير قابلة للمساومة، وأن زمن الخرائط الجديدة انتهى.
ولم يقف الشرع عند وحدة الأرض فقط، بل مضى إلى وحدة المجتمع حين قال إن “سياستنا تقوم على التسامح لا الانتقام”.
وإن كان التصريح يحمل بعداً أخلاقياً، فهو أيضاً تصريح استراتيجي؛ فلا نهضة من دون مصالحة، ولا مصالحة من دون اعتراف وعدالة.
إسرائيل ولبنان.. لا تسويات على حساب السيادة
أعادت تصريحات الشرع ملف الجولان إلى الواجهة، حين أكد أن لا حديث عن السلام مع إسرائيل دون التزامها باتفاق 1974.
هنا، يضع السياسة الخارجية في إطار الواقعية السيادية؛ لا مقامرات ولا تطبيع مجاني، بل شروط وطنية واضحة.
وبالمثل، جاءت رسالته إلى لبنان ناعمة في الشكل حادة في الجوهر: “لا نتدخل في شؤونكم، ولا نريد منكم التدخل في شؤوننا.” إنه يرسم حدوداً ناعمة مع الجوار اللبناني، لكنه يترك الباب مفتوحاً أمام التكامل الإقليمي.
شرعية جديدة من خارج الصندوق
الشرع ليس وريثاً لحزب، ولا قائداً لميليشيا اليوم.. شرعيته الوحيدة هي كونه نتاج مرحلة ونتيجة فراغ سياسي طالما تأجل ملؤه.. يفهم تماماً أنه أمام تحدٍّ مركب: إعادة بناء الدولة دون إعادة إنتاجها كما كانت. ولذلك لا يتحدث عن سلطة، بل عن مشروع.
هو يدرك كذلك أن طريقه محفوف بالألغام: إرث النظام، صراع المليشيات، تعقيد الإقليم، وعين المجتمع الدولي. لكنه رغم كل هذا يبدو مؤمناً بأن الصراحة، مهما كانت قاسية، هي الباب الوحيد للعبور.
وفي منطقة استنزفتها الأحلام المؤجلة، فإن أوضح ما يمكن أن يُقال اليوم: ربما لا يكون الشرع الحل النهائي، لكنه بالتأكيد بداية للخروج من المتاهة.
.
.
العربي القديم



