باريس لم تعد آمنة .. ” الخوف ” يجتاح صاغة “مدينة النور” مع تصاعد عمليات السطو المسلح

باريس – مرهف مينو :
 لم تعد باريس، عاصمة الموضة والرفاهية، مكانًا آمنًا لتجارة المجوهرات. حالة من “الذهان” والخوف الشديد تجتاح أصحاب محلات الذهب والمجوهرات في المدينة، مع تصاعد غير مسبوق في وتيرة عمليات السطو المسلح التي تستهدفهم، والتي أصبحت أكثر عنفًا وجرأة، مما يرسم صورة قاتمة لعاصمة كانت تُعرف بأمانها وأناقتها.
“الكل يعتقد أن دوره قادم”
هذه العبارة تلخص المناخ السائد بين الصاغة في باريس. فمع الارتفاع الجنوني في أسعار الذهب عالميًا، تحولت متاجر المجوهرات إلى أهداف رئيسية للعصابات الإجرامية. لم تعد عمليات السطو تقتصر على الأحياء الفاخرة مثل الشانزليزيه أو ساحة فاندوم، بل امتدت لتشمل كافة دوائر العاصمة، حيث يشعر كل صاحب متجر بأنه هدف محتمل.
وتكشف شهادات الصاغة عن عمق الأزمة. تقول “لورا” (اسم مستعار)، التي تعرض متجرها لهجوم عنيف مؤخرًا: “المعنويات؟ يمكن أن تكون أفضل”. واجهة متجرها المحطمة وخزائنها الفارغة تروي قصة الرعب الذي عاشته، وهو شعور يتشاركه المئات من زملائها الذين باتوا يعملون في ظل تهديد دائم.
تكتيكات جديدة وأكثر عنفًا
لم تعد عمليات السطو مجرد سرقة سريعة، بل تطورت لتصبح هجمات منظمة وعنيفة. وتشمل الأساليب الجديدة:

سيارات الصدم (Voiture-bélier): أصبحت هذه الطريقة شائعة، حيث تستخدم العصابات سيارات مسروقة لاقتحام واجهات المتاجر المدرعة فجرًا، مما يسمح لهم بسرقة محتويات المحل في دقائق معدودة قبل وصول الشرطة، كما حدث مؤخرًا مع متجر “شانيل” في شارع “رويال” الراقي.

هجمات بالدراجات النارية: تستخدم فرق من اللصوص دراجات نارية سريعة لتنفيذ هجمات خاطفة خلال ساعات النهار، حيث يقوم أحدهم بتحطيم الواجهة بمطرقة ثقيلة بينما يجمع الآخرون المسروقات، ثم يلوذون بالفرار بسرعة عبر شوارع باريس المزدحمة.

السطو المسلح التقليدي: لا تزال عمليات السطو تحت تهديد السلاح تحدث بانتظام، حيث يدخل اللصوص إلى المتاجر خلال ساعات العمل، مهددين الموظفين والزبائن للحصول على أكبر قدر من المجوهرات والنقود.

الشرطة في مواجهة تحدٍ كبير
تواجه الشرطة الفرنسية، وخاصة “فرقة مكافحة الجرائم المنظمة” (BRB)، تحديًا كبيرًا. فالعصابات أصبحت أكثر تنظيمًا وتستخدم تقنيات متطورة للتخطيط لعملياتها وتجنب القبض عليها. ورغم نجاح الشرطة في تفكيك بعض الشبكات، إلا أن الأرباح الطائلة من بيع الذهب المسروق تشجع على ظهور عصابات جديدة باستمرار.
في مواجهة هذا الخطر المتزايد، لجأ أصحاب المتاجر إلى إجراءات دفاعية مكلفة ويائسة. فبالإضافة إلى الزجاج المدرع وأنظمة الإنذار، يقوم الكثيرون بتركيب أبواب أمان إضافية (SAS)، وكاميرات مراقبة عالية الدقة، وحتى مولدات دخان لتعطيل رؤية اللصوص أثناء الهجوم. لكن كل هذه الإجراءات لا تبدو كافية لردع المهاجمين المصممين.
هذه الظاهرة لا تهدد فقط سبل عيش أصحاب المتاجر، بل تضرب أيضًا في صميم صورة باريس كوجهة سياحية آمنة وفاخرة، وتطرح تساؤلات جدية حول قدرة السلطات على حماية مواطنيها وممتلكاتهم في مواجهة موجة جريمة منظمة تزداد شراسة يومًا بعد يوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى