
عربة قطار في درعا.. مأوى لأب سوري وأطفاله الهاربين من الفقر والدمار
بين صفائح الحديد التي غزاها الصدأ وفي منطقة موحشة بمحطة “قطار الحجاز” في درعا، حوّل الأب السوري محمد العويمر عربة قطار مهجورة إلى مأوى له ولأطفاله الثلاثة. قصة العويمر، التي تعكس يأس آلاف العائلات، هي شهادة حية على الأزمة الإنسانية العميقة التي خلفتها سنوات الحرب وسياسات النظام المخلوع.
منزل من صفيح يفتقر لأبسط مقومات الحياة
منذ أربعة أشهر، أصبحت هذه العربة هي “المنزل” الوحيد لمحمد وأطفاله الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و11 عاماً. أجبرهم الفقر المدقع على ترك منزلهم المستأجر بعد أن عجز الأب عن سداد إيجاره، وبعد أن دُمر منزلهم الأصلي في حي مخيم درعا للاجئين الفلسطينيين.
يقول العويمر في حديثه لموقع “تلفزيون سوريا”: “أسكن مع أطفالي داخل عربة حديدية لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء”. يصف الأب كيف تتحول العربة إلى فرن لا يطاق ظهراً، وإلى مرتع للحشرات ليلاً. ومع اقتراب الشتاء، يتزايد خوف العائلة من تسرب مياه الأمطار والبرد القارس.
المأساة لا تتوقف عند هذا الحد؛ فالمكان يفتقر تماماً للماء والكهرباء، وتعتمد العائلة على مساعدة الجيران للحصول على أبسط احتياجاتها. كما أن المنطقة المهجورة تعد مقصداً للمجرمين وتنتشر فيها الأفاعي والعقارب، مما يجبر الأب على السهر ليلاً لحماية أطفاله.
أزمة سكن خانقة وبطالة مدمرة
قصة العويمر ليست حالة فردية، بل هي انعكاس لأزمة سكن خانقة في درعا. ويوضح الناشط الإعلامي أيهم السعيد أن حوالي 80% من حي مخيم درعا تعرض للدمار، ومع عودة المهجرين، تفاقمت الأزمة بشكل كبير. وأشار إلى أن عائلات أخرى تعيش في ظروف مشابهة، مثل عائلة تسكن غرفة صفية مدمرة في مدرسة “كفر كنا”.
وتزداد الأزمة تعقيداً مع الارتفاع الجنوني لإيجارات المنازل في درعا، التي تتراوح بين 2 و4 ملايين ليرة سورية شهرياً، وهو مبلغ يفوق قدرة الغالبية العظمى من السكان الذين يعانون من البطالة وضعف القدرة الشرائية.
ويوضح سالم المفعلاني، صاحب مكتب عقاري، أن ارتفاع الأسعار أجبر أصحاب الدخل المحدود على البحث عن مساكن غير مهيأة أو تقاسم شقة واحدة بين عائلتين. وأرجع الأسباب إلى قلة المعروض من الشقق الصالحة للسكن بسبب الدمار، وعودة اللاجئين، وغياب مشاريع الإسكان الجديدة.
وبينما تتفاقم المعاناة، يبقى محمد العويمر وآلاف مثله عالقين في دوامة من الفقر واليأس، يتطلعون إلى تدخل عاجل من الجهات المعنية والمنظمات الإنسانية لتأمين أبسط حقوقهم: مسكن آمن وفرصة عمل كريمة.
















